كنت أشعر بحزن شديد. كان ضوء الشمس مبهجاً، ورغم ذلك كان قلبى فى ظلام دامس. دورة من تقلبات المزاج التى تنتابنى من آن لآخر. لكن هذا ليس هو التفسير الوحيد. فهناك إخفاقاتى الشخصية. وهناك الحزن الذى يحمله الهواء ويعم مصر بأكملها! وربما العالم!
وفجأة، وجدت فى ملفاتى هذا العنوان «يا لها من حياة رائعة!». ابتهج قلبى بمجرد قراءته. هذا هو الفارق بين الاكتئاب الداخلى الجسيم والآخر التفاعلى! فى الأول لا يوجد شىء يسعد المكتئب مهما تزينت الدنيا من أجله. وفى الثانى يتوسل المكتئب من أجل شىء يسعده.
حسنا فلنبتهج. دعونا نقضِ ما تبقى مع المقال مع الفرح! تخيلوا فيلما يحمل هذا الاسم المبهج It’s a wonderful life. الفيلم إنتاج عام 1946 بطولة النجم المحبوب «جيمس ستيوارت».
كان «جورج بايلى» مجرد شاب يتطلع لنصيبه المفرح فى الحياة، ممتلئا بخططه المقبلة. يريد أن يسافر على كل سفينة، ويكتشف كل شاطئ، ويعيش حياته بالشكل الذى خطّط له. حتى قصة الحب الوليدة الناعمة مع «مارى» لم تثنه أن يحقق حلمه.
لكن الحياة تفاجئنا بما لا نشتهى. والده الذى كرس حياته بالكامل من أجل بناء مساكن للفقراء وكسر احتكار «بوتر» المليونير الجشع الذى يخطط للاستيلاء على المدينة، ليس حبا فى المال فقط، بل من أجل السيطرة. هكذا يجد «جورج» نفسه فى موقف محرج. إكراما لذكرى أبيه يؤجل حلمه فى السفر ويمكث فى المدينة الفقيرة ليكرر دور أبيه ويحفظ مشروع عمره.
تزوج «مارى». عاشا حياة يملؤها الحب ويتوجها الأطفال! لكن الحياة لا تخلو من مشاكل. يفقد بعض المال الذى بدونه ستنهار الشركة. يشعر جورج باليأس المطبق. حتى الفقراء الذين كرّس حياته من أجلهم يشعر بتخليهم عنه. وهكذا تنتابه نوبة يأس تجعله يتمنى لو لم يكن موجودا. ملاكه الحارس أراد أن يُلقّنه درسا ولذلك حقّق أمنيته. وها هو ذا لم يعد موجودا.
يكتشف «جورج» أن العالم تغير بالكامل. ليس فقط لأن أصدقاء عمره لا يعرفونه ولا حتى زوجته. أبناؤه أيضا لم يولدوا أصلا. لكن الأهم أنه اكتشف كم كان وجوده مؤثرا فى هذا العالم!
خذ عندك مثلا: أخوه الصغير الذى أنقذه من موت محقق قد مات بالفعل. وبالتالى لم يشترك هذا الأخ فى الحرب بعد عشرين عاما. ولما كان أخوه قد قام بعمل بطولى ترتب عليه إنقاذ كتيبة كاملة، فإن هؤلاء الجنود قد ماتوا ولم ينقذهم أحد.
الخطأ الذى صحّحه وهو صبى صغير يعمل عند صيدلى المدينة حين وضع أقراصا مميتة لطفل صغير. لكن- فى العالم الجديد- الطفل قد مات بالفعل والصيدلى زجوا به فى السجن وتحطم مستقبله إلى الأبد.
فى العالم الجديد استولى المليونير الجشع على البلدة بأكملها. ساءت حياة أسر عاشوا على حافة الفقر، كل هذا لأن «جورج» لم يعد موجودا.
هكذا اكتشف الشاب المحبط أن حياته لم تكن بالسوء الذى تصوره. إلى هذا الحد حياتنا متشابكة! إلى هذا الحد كل واحد فينا كان له دوره المؤثر! عندما أعاده الملاك إلى العالم الحقيقى فوجئ بأن سكان البلدة قد أتوا جميعا، حاملين ما يملكون لحل مشكلته، معترفين بجميله السابغ عليهم.
نعم! يا لها حقا من حياة رائعة! فقط لو رفعنا للسماء ترنيمة شكر! فقط لو عرفنا كيف نفرح بالنعم!