الأنا.. «والسيلفى»!

سيلڤيا النقادى الجمعة 28-08-2015 20:39

عائدة من إجازة... إجازه صيفية.. حاملة معى – ربما – عشرات من الصور التى التقطها الأصدقاء المحبون من أجل ذكرى ليالى الصيف... هاتفى الذكى يحمل أيضاً المئات وليس العشرات من الصور «السيلفى- Selfie» التى يلتقطها لأنفسهم عشاق شبكات التواصل الاجتماعى المهووسون بأنفسهم وشكلهم «وپوزاتهم» وفمهم وصدرهم وسيقانهم وابتسامتهم حتى يراها كل من هب ودب..!! واللى يحب «...» يحط «لايك»!!

ظاهرة جديدة من الهوس، هوس النرجسية الذى يجتاح العالم – الكبار والصغار على حد سواء – ويعمل على تشجيعه وانتشاره بهذه السرعة المذهلة التطور التكنولوچى للهواتف الذكية والفرص الكثيرة التى تقدمها شبكات التواصل الاجتماعى من أجل هؤلاء الذين يسعون إلى تسويق هذه العلامة الشخصية «Personal brand» والتى ستحول مصطلح النرجسية إلى أمر محبب للجميع وليس سلبيا، كما كان فى أزمنة أخرى، وبصفة خاصة بين الأجيال الجديدة التى تسعى الآن فى هستيريا إلى بث صورها فى كل مكان أو ركن تعيش فيه.. فهى.. فى غرفة النوم.. على الأريكة.. فى الكافيه.. على الشاطئ.. فى الحفلة.. فى دورة المياه.. مع الصديق!! وهكذا من الصور التى تسجل جدولا من اللقطات الأمامية التى استعمرت شبكة الإنترنت بحوائط تملؤها عيون يقظة.. منتبهة أو وجوه عبوسة.. ولا مانع من شق صدر مكشوف أو مؤخرة مثيرة أو أفواه ضاحكة بلهاء.. كلها دعاية شخصية تختلف فى غرضها عن نوستالچيا الكاميرا التى كانت تسجل صورا للقصور والآثار والمناظر الطبيعية الخلابة أثناء الرحلات التى كانت تقوم بها أجيال سابقة عرفت معنى وقيمة الصورة وذكراها..

لذا.. فنحن أمام أجيال تم غسل أدمغتها بمعان جديدة يتصدرها معنى «قوة الصورة» – الصورة المثالية – الشخصية المتقنة – هى الصورة التى تسوق.. وتسوق جيداً – وهم يعلمون ذلك!!... شبكات التواصل الاجتماعى هى الأداة الرئيسية لتسويق هذا التجسد الإلهى!! الذين يريدون بيعه والحصول من خلاله على هذا الإشباع السطحى الذاتى وكلما كانت اللقطات ساخنة أصبحت جزءا هاما من بيع هذه السلعة المرغوبة.. ليس لأنها تكثر وتزيد فقط من مشاعر النرجسية بل إنها تحول العلاقات إلى سباق تنافسى جنسى على هذه الأجهزة والشبكات الإلكترونية التى تسعى الفتيات والنساء إلى الحصول من خلالها على أكبر قدر من الإعجاب، ولذا كلما كانت الصور بها إيحاءات جنسية كثرت «اللايكات».. وهو الأمر الذى أصبح يثير الكثير من التساؤلات حول هذه الظاهرة التى استمدت أشكالها أو «پوزتها» من المعيار الآسيوى المخضرم فى تسويق الصور الخليعة وتجارة الجنس من خلال مواقع عديدة يزورها الملايين من الشباب كل ثانية والذين أصبحوا يستمدون التعريف الجمالى من خلال هذه الصور الرخيصة فى اعتقاد ساذج وخاطئ، أنه المعيار الأساسى لمفهوم الفتاة الجميلة الساخنة المرغوبة.

إنها ثقافة الخلاعة التى أصبحت ظاهرة منتشرة فى العالم كله، تقودها عصابات مدربة ذات خبرة عالية فى تجارة البشر، يقع فى مخالبها أحياناً هؤلاء الفتيات اللاتى يقمن ببث صورهن الخليعة بسذاجة، غير مدركات أنهن يعرضن أنفسهن للفرجة وفى أحياناً كثيرة للاتجار والابتزاز عبر المواقع الإباحية الكثيرة.

هذه الظاهرة التى زادت بنسبة ٢٠٠% منذ عام ٢٠١٣، ويتكاثر بثها بمعدل كل ثانية بالإضافة إلى أنها أصبحت كلمة العالم على قاموس إكسفورد الإنجليزى، تجد من يدافع عنها من مفهوم «حب نفسك» وانتظر رد الفعل من المعجبين!! ثقافة تؤكد أهمية نظرة المجتمع التى ما زلنا نستمدها من أجل الشعور بقيمتنا وذاتنا وموقعنا عند الآخر..!!

ثقافة توثق كل ثانية أننا فى عالم يهتم بالشكل الخارجى أكثر من التصديق على قيمة العمل أو السلوك والتصرفات التى نقوم بها بعيداً عن الكاميرا..!!

ظاهرة مازالت تحير علماء النفس والاجتماع.. لا نعرف منها حتى الآن إلا القليل عن مخاطر أبعادها!!.. إنها ليست «لهواً» كما يعتقد الكثير ولا هى دعابات كما يرى بعض الآباء!! إنها سلوك سنكتشف أبعاده وسط أجيال جديدة تقترب من جهل المعانى الحقيقية للحياة.. فى غفلة من آباء يعيشون على السطح!!

selnakkady@gmail.com