صعوبات الكتابة كثيرة ومتعددة، وأولاها طبعا عندما تكتب هائما بغير هدف أو موضوع، فى انتظار أن يرسو بك الوحى على شاطئ ما، وبالنسبة لى أصعبها أن تختزل كتابًا مهماً أو تكتب عن رجل موسوعى إسهاماته وإنجازاته كثيرة، ولا يصح إغفال ما تيسّر منها، وها أنا أكتب عن الموهوب الفذ «جليل البندارى» وهو لمن لا يعرف قدره وأهميته؛ شاعر وصحفى وناقد فنى وروائى ومنتج سينمائى، ولد عام 1917 وتوفى عام 1968، وشغل الساحة الفنية وانشغلت به طيلة حياته العملية، وهو من الكتاب الساخرين العظام، والذى خلفه فيها بعد وفاته محمد عفيفى وأحمد رجب وعلى سالم وجلال عامر، واشتهر بالتسميات والألقاب التى كان يطلقها على الفنانين فيرددها الناس بعده وتصبح لصيقة بالفنان، فهو الذى أطلق على عبدالحليم حافظ لقب «العندليب» وأطلق على أم كلثوم لقب «معبد الحب» وشبه اللقاء الفنى لأم كلثوم بعبدالوهاب فى أغنية «انت عمرى» بلقاء السحاب، وكان بمثابة الفأل الحسن لفنانين أصبحوا نجومًا بعد أن عملوا معه، مثل فيلم «تمر حنة» إنتاج 1957 الذى كان السبب فى تألق رشدى أباظة وصعوده إلى منصة نجوم الصف الأول، كما أن فيلم الآنسة حنفى الذى كتبه وأخرجه فطين عبدالوهاب عام 1954 يعتبر أول فيلم جرىء يناقش عملية التحول الجنسى فى الشرق الأوسط إن لم يكن فى العالم، وهو عن قصة حقيقية حدثت بمركز «ميت غمر» عام 1947 لفاطمة إبراهيم داوود التى تحولت إلى رجل بمستشفى قصر العينى، وتسمى باسم «على» وتزوج جارته «فاطمة أحمد» (المصدر مجلة المصور مايو 1947) وقد عالجها جليل البندارى بشكل كوميدى بجعل الرجل هو الذى يتحول، ونجح هذا الفيلم نجاحا كبيرًا وكان وش السعد على إسماعيل يس، ومن أفلامه الأخرى المستمدة من حوادث حقيقية فيلم «العتبة الخضرة» التى عدلها من قصة ريفى اشترى «تروماى» العتبة، إلى شراء العتبة كلها بما فيها من أبنية ومصالح حكومية، ويعتبر هذا الفيلم من أهم الأفلام الكوميدية المصرية ولا يزال يضيف ضحكات إلى رصيده كل يوم.. كتب جليل أيضًا الأغانى الجميلة والخفيفة ومنها «يا دبلة الخطوبة» لشادية و«يا بيّاعين الفرح» لعبدالعزيز محمود و«التمر حنة» لفايزة أحمد و«وأنا مالى يا بوى» لمحمد عبدالمطلب وغيرها، وأنا مغرم بشكل شخصى بأغنية «التمر حنة» التى منها هذه الأبيات (تمر حنة يا تمر حنة خليتى بينا وبعدتى عنا.. الورد كله كسا الجناين واشمعنى انت اللى شاردة منا)، ومعجب أيضًا بكلمات أغانيه التى تتحدث عن وسائل المواصلات والسرعة والجرى مثل «واحدة واحدة بتجرى ليه؟» و«سوق على مهلك سوق» لشادية و«يا تاكسى الغرام يا مقرب البعيد» لعبدالعزيز محمود وكذلك الأغنية التى غنتها ليلى مراد (وصلنى يا اسطى بسرعة قوام.. فى دقيقة مش فى سبع تيام.. أنا بدى أقوله كلام ما خطر أبدا فى خيال.. وأعيش وياه ف سلام وهناوة وراحة بال.. ماشى على عشرين دوس على البنزين حصل 90 يا أسطى).. وأتمنى من كتّاب الدراما المغرمين بكتابة سير الفنانين أن يهتموا بمثل هؤلاء الأعلام الذين أثروا حياتنا الفنية ليرى الناس منجزهم ويقتدوا به.