ناهد

أيمن الجندي الأربعاء 26-08-2015 21:31

ظهر الدكتور أشرف فى حياتها كبطل أسطورى. ما الذى جعله يهتم بها بالذات. سؤال حاولت أن تجيب عليه كل ليلة. وفى كل ليلة تكون الإجابة مختلفة. إذا بدا عنها راضيا كانت إجابتها «لأننى فتاة جيدة وبلغت أن أُرضيه». وعندما يمنحها حنانه، وآه حين يمنحها حنانه، فإنها تهمس لنفسها وكأنها تخشى أن يسمعها: «لأنه يحبنى!».

أما إذا عاملها بجفاء وغابت شمسه خلف غيوم مكفهرة، فإن إجابة السؤال واضحة: «لأنى عادية! لأنى لا شىء على الإطلاق بجانبه».

..............

كانت ناهد تعمل فى أحد المستشفيات الخاصة بإحدى مدن الأقاليم. ولم تكن تثير اهتمام أحد! حتى اسمها «ناهد» لم تحمل نصيبا منه. مسطحة الصدر لا يبدو عليها تكوير الأنوثة! باهتة الملامح والشخصية! ثم جاء الدكتور أشرف طبيبا زائرا من القاهرة. ولسبب ما أعطاها اهتمامه. فى البداية كانت تعامله ببعض الجفاء خصوصا عندما سمعت من زميلاتها أنه من عائلة تجمع بين العراقة والثراء. لكنها اعترفت أنه يتعامل مع الجميع بلطف، خصوصا المرضى الذين يغادرون غرفته مسحورين من رقته.

لم تكن قد اهتمت برجل منذ عهد بعيد. لكنها لاحظت أنها تتأمله كلما أتيحت لها الفرصة. ما زالت تذكر هذه الليلة بعد أن أنهكهما العمل حين استوقفها فجأة، وسألها فى قوة ووضوح: «هل أنت غاضبة منى؟».

وارتبكتْ. وحاولتْ النفى ثم سكتتْ. ثم قال لها بصوته الذى يذكّرها بالشمس: «أم أنك غاضبة من نفسك؟».

عندما انفردت بنفسها اعترفت أنها بالفعل غاضبة من نفسها. أو للدقة محبطة لا تملك الجرأة. سألها يوما وهو يتأمل وجهها بدقة مربكة: «هل تعتقدين داخلك أنك جميلة؟». واحمر وجهها وحاولت الانصراف لكنه أصر على الإجابة. قالت وقلبها ينشرخ: «لا». اقتحم الأبواب المغلقة داخلها وقال بصوت الشمس: «الجمال يبدأ من داخلنا».

الغريب أن زميلتها قالت دون مناسبة إنها تبدو جميلة.

«هل أنت سعيدة فى عملك؟ لماذا إذن لا تتركينه وتبحثين عن العمل الذى يرضى طموحك؟ هل تتمنين أن تستقلى بحياتك؟ لماذا لا تفعلين إذن؟ هل تريدين أن ترتدى الملابس القصيرة؟ هاتان ساقاك أنت وليس ساقى أحد آخر؟

وهكذا ظلت تُصغى إليه مبهورة. أشرف يحبها! لا يوجد تفسير آخر. أشرف القادم من الزمالك ونادى الجزيرة. أبوللو الهابط من السماء بأعمدة من نور ليغيّر عالمها! المعلّم الذى منحها لمحة عن حياة جديدة لم تكن تتصور وجودها!

ولكن لماذا لم ينطق بكلمة الحب قط؟ أتراه ينتظر أن تصبح جديرة به! أن تتغير أولا من داخلها. لكن التغير صعب فى بيئة المحافظة التى تعيش بها! مستحيل أن تفعله شخصية باهتة خائفة مثلها.

كانت هيام تعيش أجمل أيام عمرها. وتعيش أيضا أصعب ساعات عمرها. خصوصا حينما انقطع أشرف عن المجىء، دون أن يخبرها مقدما. قيل إن السفر أتعبه، والحقيقة أنها أتعبته.

..................

ظهرت هيام أمام أشرف فجأة. قصيرة الثياب مُنسقة الشعر، والهيام يطفح فى عينيها. بدا وكأنه فوجئ بوجودها فى المستشفى الشهير بالقاهرة. أخبرته - وهى مسحورة- أنها امتلكت الجرأة لتطبّق تعاليمه. استقالت من عملها، غيّرت من شكلها، غادرت منزل والديها. ولوهلة لم تفهم هيام لماذا بدا متنائيا ومنشغلا! ولوهلة لم تفهم أيضا لماذا لم يُبدِ اهتماما ولا نطق بالكلمة السحرية! وقفتْ كالتمثال تتأمله وهو يبتعد - منتميا إلى عالمه- وهو يغمغم بكلمات مبهمة.

elguindy62@hotmail.com