بعض الزملاء صنع اسمه المهنى من معارضة مبارك.. وصنع فلوسه من تأييد سياسى.. ولستُ عبيطاً.. ولن أقضى ما تبقى من عمرى فى السجون بسبب مهنة البحث عن المهالك.. وربما تقع الطوبة فى المعطوبة.. فأجدنى واقفاً أمام البيه الضابط أفسر مقالاً أسىء فهمه.. أو أشرح وجهة نظر غابت بين السطور!
صحيح أنهم وافقوا على استبعاد عقوبة السجن.. ولكن من يضمن عائلتى الكريمة.. وهل تصدق أنها مستعدة لدفع الفدية نصف مليون جنيه.. وهى لا تملك أصلاً نصف مليون قرش بعد خدمة فى بلاط صاحبة الجلالة بلغت خمسة وأربعين عاماً؟! والأحوط والأسلم أن أمشى بجوار الحيط وأن أكتب بالشوكة والسكين..!
ثم ما هذه المهنة الخطرة التى تقود صاحبها إلى التهلكة!.. وهناك دلائل وأمارات.. وأصحاب الأمر متربصون بنا.. وخلال أسبوع واحد أوقف طبع صحيفتين.. وفرمت الثالثة من المنبع.. وأخشى أن يتكرر معى ما حدث لتوفيق عكاشة.. وصحتى لا تتحمل إجراءات الإفراج الصحى وأنا لا أنتمى لأحد.. ولن يسعى مرتضى وبكرى للإفراج عنى.. ثم إننى لستُ مسنوداً من أمن الدولة!
وكنت أحسب أن أكبر ميزة تتمتع بها الصحافة هى أنك تستطيع أن تقول رأيك بدون لف أو دوران.. ثم تنام فى بيتك وسط عيالك.. وفى عهد السادات لم تكن الأحوال كذلك.. وحوصر الصحفيون وصحافة المعارضة.. فظهرت صحافة معارضة تصدر من لندن وباريس.. هاجر الصحفيون بالكوم.. وأغلقت منابر الرأى لتفتح شبابيك المجلات السرية والمنشورات تحت الأرض.. وظهرت الدعوة الرسمية لتنقية جداول المشتغلين بالصحافة للتخلص من المشاغبين أصحاب اللسان الطويل.. إلى آخر القصة التى انتهت بالغياب الدراماتيكى للسادات شخصياً!
ما يقلقنى والله أننا نعيش مرحلة جديدة.. وإذا كان البعض يعترض على أن هناك تجاوزات من بعض الصحفيين.. وماله.. هناك قوانين مستقرة تكفى لمنع هذه التجاوزات.. وهناك نقابة مستعدة لممارسة دورها وحساب المخطئين.. وفى رأيى فإنه من الأفضل أن تحدث عشرات التجاوزات بدلاً من أن يحبس صحفى واحد.. لأن هذا بصراحة سوف يعود بالمهنة ستين سنة إلى الوراء.. ناهيك عن أنه يُحرج الدولة فى المحافل الدولية وأمام جماعات حقوق الإنسان ومنظمات الرأى التى تتفرج علينا.
على أى حال.. وقد ظهرت الرؤية وكل شىء انكشف وبان.. فإن الرجوع للحق فضيلة.. والمشى بجوار الحيط أفضل.. وأعلن وأنا فى كامل قواى العقلية انسحابى التام من جميع الكتابات المعارضة.. وانضمامى الفورى للكتابات المهاودة.. لأنه من غير المعقول وقد بلغ العمر أرذله أن ألقى بنفسى إلى التهلكة.. وأقضى إجازة الصيف وعطلة الشتاء محتجزاً فى مكان أمين وصفه توفيق عكاشة بأنه رهيب.. ليه يا سيد؟.. لأن الثلاجة فى الزنزانة عطلانة والذباب فوق الطبيعى والتليفزيون لا ينقل سوى القناة الأولى والثانية.. يا ساتر يارب!
وخيبتى الثقيلة.. أننى قضيت عمرى كالمسحور وراء الكلام الجميل عن الديمقراطية والسلطة الرابعة والرأى والرأى الآخر.. والمركب الواحد للمعارضة والحكومة فى مواجهة الخطر.. فإذا بالحكاية ليست كذلك.. وإذا بالدولة تصنف الصحافة فى خانة أعداء النظام.. بدليل غرامة نصف المليون جنيه.. وقطع العيش والتجريس تمهيداً للانضمام لقبيلة عشانا عليك يارب..!
المصيبة أننى لا أجيد مهنة أخرى غير الصحافة.. ولهذا ورغم القانون الجديد لن أتوقف أبداً.. وسوف أواصل الكتابة برأس مرفوع وقلب مفتوح وعقل واع.. وسوف أتحف جمهور القراء بمقالات عصماء عن البخت والنجوم والكواكب وأبراج الحظ وقراءة الفنجان وفتح المندل والكوتشينة.. والذين هبطوا من السماء والذين صعدوا للمريخ والذين رقصوا على السلم.. وبشرط أن أحتفظ بالوثائق والمستندات فى جيبى وحتى لا يجرجرنى ضابط نشيط ساعة أذان الفجر إلى الحجز لقضاء كام يوم على سبيل الاستدلال.
ونصيحة للبهوات من ترزية القوانين.. بلاش غرامة الصحفيين لأنهم لا يملكون شيئاً.. هم ليسوا كالقضاة من أصحاب العمارات والأطيان.. وإذا كان ولابد.. فلماذا لا نستحدث عقوبة جديدة بدلاً من الغرامة الفادحة.. هى عقوبة الجلد للصحفى المشاغب.. وبشرط أن يتم الجلد فى ميدان عام وأمام الجورنال.. وبحضور عينة عشوائية من القراء.. وحتى يكون المشاغب عبرة لزملائه الذين يلعبون بذيولهم.. وعلى اعتبار أن الصحافة الحديثة تأديب وتهذيب وإصلاح..!
أما النقابة فنحذرها من تصعيد المواجهة.. وهناك من يقترح الطعن فى دستورية القانون.. بلاش لكاعة.. وعليكم بتبنى برنامج نقابى طموح للتأهيل المهنى وتعليم شباب الصحفيين مهنة جديدة.. كشغل النقاشة وإصلاح الحنفيات ودهان الدوكو.. وأراهن أن أحوالهم المادية سوف تكون أفضل وأحسن..!
ومن موقعى هذا.. ومنعاً للخلط والاستكراد.. أنذر جميع الصحف بعدم نشر أية مقالات معارضة ربما تكون قد تسربت إليها بتوقيعى.. وأى مقال يظهر باسمى يعتبر لاغياً.. وقد طلقنا شغل المعارضة بالثلاثة.. ونأمل فى الزواج الفورى ودون قيد أو شرط من حضرة الحكومة صاحبة العصمة.. وسوف أقيم الأفراح والليالى الملاح فى مبنى النقابة.. وأغنى من القلب والروح والضمير: ناسبنا الحكومة..!