قواعد العشق الأربعون

درية شرف الدين الثلاثاء 25-08-2015 21:46

هل جرّبت أن تقرأ رواية فاكتشفت بعد قراءتها أنك قد وضعت يدك على مواطن قوة فى نفسك ربما لم تكتشفها من قبل وأن تفاصيل الحياة التى تعيشها ربما تستدعى منك نظرة مختلفة أكثر عمقاً وأكثر فهماً؟ هل جرّبت أن تقرأ رواية فانفتحت أمامك آفاق رحبة جديدة من التأمل ومن الهدوء ومن السماحة ومن تقبل الآخر؟ ازددت حكمة وتمرداً واكتسبت تعقلاً وثورة وحزناً وفرحاً فى آن واحد؟ اقرأ رواية (قواعد العشق الأربعون) إحدى أشهر الأعمال الأدبية الآن فى العالم بعد ترجمتها إلى العديد من اللغات ومنها العربية، كتبتها أديبة تركية موهوبة عام 2010 وهى فى التاسعة والثلاثين من عمرها اسمها إليف شفيق، خمسمائة صفحة كاملة تتصف بسلاسة الكلمة وتفصح عن حب جارف للإنسانية جمعاء وللإنسان أياً كان دينه أو لغته أو موطنه، تدور الرواية فى عالم يبدو إما مألوفاً لبعضنا أو غريبا عنا وهو عالم الصوفية والمتصوفين وتختلط فيها الأزمنة ما بين القرن الثالث عشر الميلادى والقرن الحادى والعشرين فى سمرقند وبغداد وبلدة قونية فى بلاد الأناضول حيث عاش عالم إسلامى جليل يُلقّب بمولانا وهو جلال الدين الرومى وسط آلاف من المريدين والمعجبين، والتقى بدرويش جواّل يُلقّب بشمس الدين التبريزى فوجد كل منهما ضالته فى الآخر، سنوات قليلة حوّلت الرومى من رجل دين عادى إلى شاعر يجيش بالعاطفة وصوفى ملتزم وداعية إلى حب الإنسانية جمعاء وابتدع رقصة الدراويش التى نراها حتى الآن، ومن قونية بتركيا فى القرن الثالث عشر وبعد ثمانمائة عام كتب أ./ز. زهارا رواية عن الرومى وشمس الدين التبريزى وسماها (الكفر الحلو) كان درويشا هو الآخر صوفيا أصله أوروبى من أسكتلندا أعلن إسلامه وأطلق على نفسه اسم عزيز، وصلت روايته إلى (إيلا) زوجة يهودية أمريكية تعيش فى نورثامبتون وزوجها طبيب متعدد العلاقات النسائية وهى أم لثلاثة أبناء تعانى الضجر والملل فى حياتها، قرأت رواية (عزيز) لتقدم لها تقييما أدبيا لإحدى الوكالات وتعرّفت على عالم الرومى وشمس التبريزى وسعت إلى معرفة كاتبها وانقلبت حياتها رأسا على عقب.

الرواية طويلة ممتدة الأزمنة والأماكن والأشخاص تربط الماضى بالحاضر والإنسان بالأديان فى صورتها النقية الأولى، وعبر صفحاتها وتنقلاتها الزمانية والمكانية واستعراضها لأبطالها الشرقيين والغربيين تُدلى بقواعد العشق الأربعين قاعدة وراء أخرى.

عشق لله عز وجل وعشق للإنسانية وللأديان كافة وللبشر الصالحين والخطائين للزرع والسماء والشمس والنجوم للكون بمن فيه وما فيه، من القواعد الأربعين: يتبوأ الإنسان مكانة فريدة بين خلق الله إذ يقول عز وجل «ونفخت فيه من روحى» فقد خلقنا جميعاً لكى نكون خلفاء الله على الأرض فاسأل نفسك: كم مرّة تصرفت كخليفة لله. وتضيف: وبدلاً من أن يفنى المتدينون المتعصبون ذواتهم فى حب الله ويجاهدون أنفسهم فإنهم يحاربون أناسا آخرين يولّدون موجة إثر موجة من الخوف وينظرون إلى الكون كله بعيون يشوبها الخوف، ويقول الكتاب: إن الصوفيين يحبون الله لا خوفاً من العقاب فى نار جهنم ولا رغبة فى الثواب والمكافأة فى الجنة بل يحبّون الله لمجرد محبته الخالصة، محبة نقية وسهلة غير ملوّثة وخالية من أى مصلحة، وينهى الكتاب كلماته بأن ديننا هو دين العشق وجميع البشر مرتبطون بسلسلة من القلوب، الأسماء تتغير تأتى وتذهب، لكن الجوهر يبقى ذاته.