قانون انفراد الإرهابيين بوسائل الإعلام

حمدي قاسم الثلاثاء 25-08-2015 21:52

أن تقوم بتكذيب خبر ألف مرة خير لك من أن تحبس صحفياً أو تصادر صحيفة، فإن قمت بتكذيب خبر فأنت صاحب حق، ووسائل الإعلام ملزمة بنشر التكذيب، أما أن تحاكم صحفياً فإن العالم كله سيتهمُك بالاعتداء على حرية الصحافة، التى يعتبرونها من المقدسات كحق الإنسان فى الحياة.

أثبتت الممارسة العملية لقانون الإرهاب فى انفجار شبرا أن قانون الإرهاب جعل من الصحفيين صماً بكماً عمياً لساعات، وأصبحت مصر والعالم كله يعلم ما حدث فى شبرا إلا وسائل الإعلام المصرية التى وقفت مغلولة الأيدى لساعات فى انتظار بيانات رسمية.

ويعطى قانون الإرهاب الحق للإرهابيين عملياً فى الانفراد بوسائل الإعلام، والإذاعة الحصرية لأى بيانات يريدونها طوال الفترة التى تسبق البيانات الرسمية، والتى ستتناقلها كل وسائل الإعلام خارج مصر، ثم بعدما يترسخ ما نشره الإرهابيون فى أذهان العالم، تصدر البيانات الرسمية لتوضح الحقيقة، أو بمعنى أدق تقوم بتكذيب بيانات الإرهابيين.

وتسمح الممارسة العملية لتطبيق القانون بترويج الشائعات على نطاق واسع فى وسائل التواصل الاجتماعى قبل صدور البيانات الرسمية، وأن ينشر أنصار الإرهاب وأعداء الدولة والنظام ما يشاءون عن تلك العمليات الإرهابية، وأن يبثوا ما يشاءون من أكاذيب قبل صدور البيانات الرسمية.

وصنع قانون الإرهاب إشكالية كبرى عندما ذكر أن فرض الغرامة عقوبة نشر ما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، وحيث إن وزارة الداخلية هى المنوط بها فى الأساس مكافحة الإرهاب، ولذلك فإن وزارة الدفاع لن تصدر أى بيانات عن مواجهات بين الشرطة والإرهابيين، بما يضع الصحفيين تحت طائلة النص الصريح للقانون فى العمليات التى لا تواجهها وزارة الدفاع، بما يمكن أن يجعل المعنى الفعلى لنص القانون هو فرض الغرامة كعقوبة للصحفى، الذى ينشر أخباراً قبل صدور بيانات رسمية عن المواجهات بين الجيش والإرهابيين أو الذى ينشر بصفة عامة أخباراً عن مواجهات بين الشرطة والإرهابيين.

ولعل الإشكالية التى صنعها قانون الإرهاب بإلزام الصحف الانتظار حتى صدور بيانات رسمية ربما تصدر أو لا تصدر كان يمكن حلها ببساطة بعيداً عن القانون بزيادة العلاقة بين الجهات الرسمية المعنية بصدور تلك البيانات وممثلى وسائل الإعلام، ووضع آليات لسرعة توفير تلك البيانات بما يقطع الطريق على الإرهابيين فى الانفراد بوسائل الإعلام نتيجة تأخر البيانات الرسمية.

لن يمنع قانون الإرهاب الإرهابيين من نشر ما يريدون إلا فى الصحف والمواقع المصرية فقط، وسيقومون بنشر ما يرغبون عبر مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام الأجنبية، ولن يلتزم بالقانون عند الممارسة العملية إلا وسائل الإعلام المصرية التى ترغب فى الوصول للبيانات الرسمية، وتلجأ دائماً للاعتماد على مصادر تابعة للجهات الرسمية فى الوصول للمعلومات لحين صدور البيانات الرسمية.

يجب أن نعلم مَن هؤلاء الأشخاص الذين وقفوا خلف هذا النص الذى يضر أكثر مما يفيد، لا لشىء سوى رغبتهم فى إعادة استنساخ تجربة أحمد سعيد فى الستينيات وإضفاء الحماية القانونية عليها، فى زمن وسائل التواصل الاجتماعى، وتكرار تجربة محمد سعيد الصحاف وهو يعلن انتصار رجال صدام، بينما كان الأمريكان قد دخلوا العراق، وما منع أحمد سعيد نكسة 67 كما لم تمنع بيانات الصحاف سقوط بغداد.. استقيموا يرحمكم الله.