احتجاجات موظفى الضرائب

نادين عبدالله الثلاثاء 25-08-2015 21:54

ضمن جملة أسباب جعلتهم يحتجون على قانون الخدمة المدنية، يبدو أن اثنين يشكلان أزمة كبرى. ويتعلق الأول بانخفاض معدل الأجور، فقد سعى القانون إلى معالجة اختلالات الأجور وتقليل فرص نموها مستقبليًا عبر تعديل حساب الأجر (المكمل) كى يصير فئات مالية مقطوعة بدلاً من حسابه كنسبة مرتبطة بالأجر (الأساسى) الذى تم، بالفعل، زيادته. أما الثانى فيتعلق بمنح الرؤساء المباشرين فى العمل مزيدا من السلطات فى تقييم الموظفين وتوقيع الجزاءات عليهم من دون ضوابط تضمن موضوعية التقييم.

قناعتنا هى أن إصدار هذا القانون يعتبر خطوة جيدة نحو إصلاح الجهاز الإدارى، فللقانون إيجابيات كالأخذ بمفهوم التنمية البشرية، واستحداث مجلس للخدمة المدنية (رغم تحفظنا على طريقة تكوينه)، ونظام لتقييم أداء الموظفين. وحتى بغض النظر عن تحفظنا على ضعف الإصلاحات الهيكلية التى تبناها القانون فى جوانب عدة (حيث استمرار مشاكل المركزية الشديدة، الخلل فى الهياكل التنظيمية للدولة، وعدم اتباع نظم الإدارة الحديثة..إلخ)، ففيما يتعلق باحتجاجات الموظفين، وعلى رأسهم موظفو الضرائب، يظل مأخذنا الأساسى متمثلاً فى فلسفة إعداد القانون، وطريقة إصداره.

فللأسف، تنطلق روح القانون من فكرة أن سبب ترهل الجهاز الإدارى للدولة هو سوء أداء موظفيها، وهو صحيح فى أحيان كثيرة، لكنه منقوص، فسوء الأداء يرجع أيضًا إلى تردى ظروف العمل حيث التفرقة بين من يعملون فى ظروف آدمية ومن يفتقرون إليها، وإلى تدهور منظومة العمل ذاتها، حيث يفتقر العديد من المصالح إلى التطوير مثلما أشار موظفو الضرائب العقارية فى بيانهم الاحتجاجى.

وعلى صعيد آخر، حق الدولة فى الإصلاح لا يمنحها حصانة رفض مشاركة أصحاب الشأن (أو ممثليهم) خاصة لو تعلق الأمر بقطاع استراتيجى كقطاع موظفى الضرائب حيث تقرر تطبيق القانون عليه رغم استثناء بعض القطاعات الأخرى. فإذا أغفلنا أن إنزال القوانين على البشر من دون مشاركتهم قد اندثر بتطور المجتمعات، فلا يمكننا أن ننسى أن النجاح فى عملية الإصلاح المؤلمة يتطلب قدرا من التفاوض. ولهذا السبب تحديدًا، عرف العالم النقابات باعتبارها كيانات تعبر عن أصحاب المهنة أو المصلحة الواحدة، فتتفاوض باسمهم. خفتت الاحتجاجات «الفئوية» ثم عادت، وليس من المتوقع أن تختفى لأن أصل المشكلة لم يحل. أما الأخيرة فتتمثل فى رفض تقنين الكيانات النقابية المعبرة عن قواعدها (وهى قليلة بالمناسبة)، واكتفاء الحكومة بالحصول على تأييد وهمى من نقابات رسمية لا تمثل سوى البعض القليل. فالمتابع للتجارب الدولية فى هذا المجال يعرف أن التفاوض بهدف الإصلاح أو التغيير هو أمر طبيعى ولا ينجح سوى بقدر من التوافق. ونذكر هنا على سبيل المثل «اتفاقيات منكلوا» فى إسبانيا فى أواخر السبعينيات، حيث جلس ممثلو الدولة مع ممثلى النقابات فى حوار اجتماعى شفاف أسفر عن حل وسط رضى به الطرفان، رغم الصراع. فقد وعدت الدولة بتحقيق جزئى للمطالب، فوافقت على فرض ضريبة تصاعدية على الدخل. وفى المقابل، قبلت الاتحادات النقابية التوقف عن المطالبة برفع الأجور.

لذا وأخيرًا دعنا نقل: يمكن أن ترفض الدولة بعض المطالب، أو كحل وسط تعد بتنفيذ بعضها فى المستقبل، لكن من الصعب أن ترفض مشاركة أصحاب الشأن، وتحصل على موافقتهم فى آن واحد!