يحلو لنا كثيرا أن نتحدث ونكتب عن خيبة الحكومة وعجزها عن إيجاد حلول لمشاكلنا المتراكمة، حين نتهم حكومة محلب بالتقصير، فنحن لانقصده شخصيا، فهو مجرد رمز لفشل النظام والدولة في الوصول لحلول فعالة لأزماتنا المزمنة .الحكومات دورها أن تدير بأفضل الطرق مقدرات الشعب، وان جاز لنا أن نكتب عن مساوىء الحكومة واخطاءها فعلينا أن نتحدث قليلا عن مساوىء الشعب وخطاياه .
لم يستفيد الشعب المصرى من ثورة يناير في تغير سلوكه الاتكالى ونظرته الفردية للأمور، ولكنه استفاد منها للضغط على الحكومة وابتزازها شاهرا سلاح المظاهرات، المظاهرات الفئوية شبه اليومية كانت الملمح الأساسى بعد ثورة يناير .
وبالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها البلاد من اغلاق عدد كبير من المصانع وتوقف السياحة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، رضخت الحكومات المتعاقبة للمظاهرات الفئوية تجنبا لحدوث مزيد من الفوضى والعنف في الشارع ،ومحاولة لنيل رضا الشعب أو بعضه وعلى رأسهم موظفى الحكومة وبعض الفئات الأخرى.
تضاعف بند الأجور في موازنة الدولة، بعد ان كان حوالى 96 مليار جنيه في العام المالى 2010 / 2011 ارتفع إلى 207 مليار للعام 2014 / 2015 ويقدر بنحو 218 مليار جنيه للعام المالى الحالى 2015 / 2016
تضاعفت المرتبات الحكومية ،حصل الموظفون على حقوقهم وزيادة دون أن ينال المواطن العادى حقه في الحصول على خدمة أفضل، يعنى ببساطة ضحكوا علينا نحن دافعى الضرائب ،كما أن هذه الزيادات لم يواكبها القضاء على ظاهرة الرشوة في أروقة الدواوين الحكومية «عايز خدمة وإنجاز أدفع يا أستاذ» .
لقد اُختزلت ثورة يناير لدى فئات عديدة في محاولاتهم لتحسين أوضاعهم المادية بغض النظر عن المصلحة العامة، وكأن الثورة كعكة يسعى الكل ليقتطع منها اكبر قطعة تستطيع قبضته ان تطبق عليها. ومن لم ينال من الكعكة شيئا فهذه مشكلته وعليه أن يحلها، احلام التغيير والأفق المفتوح، أهداف الثورة التي نادت بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية للجميع، ذهبت مع الريح، وتقزمت لتصبح مجرد مطالب فردية ،صحيح ان مرتبات الحكومة كانت سيئة ولا تسمن ولاتغنى من جوع ولكن هذا هو حال الجميع في مصر وربما يكون حالهم أحسن من غيرهم، وعندما نفكر فيجب ان نفكرفى كيف ننهض بمصر كلها حتى يصل الخير للجميع وليس فئة دون أخرى .
بعد سنوات من الثورة لم نحظَى إلا بفتات الاحلام، لايمكننا ان نلقى بالعبء كله على النظام أو الحكومة فجزء منه يعود للسلوك الفردى الذي لم يصل بعد للنضج والوعى الذي يسعى لتغير واقع البلد ولوكان ذلك ضد مصلحته الشخصية.
تعود المظاهرات مرة أخرى للشارع، وهذه المرة ايضا المطالب فئوية وليست جماعية، المتظاهرون لايطالبون بالافراج عن المعتقلين من الشباب المسالم الغير منتمى لجماعة الإخوان أو رفض اداء الداخلية مع المواطنين أو التظاهر من أجل تحسين حال الحجز والسجون، ولكن هذه الهوجة من المظاهرات للتصدى لقانون 18 لسنة 2015 المعروف بأسم قانون الخدمة المدنية الذي جاء ليضع معايير موحدة للعمل في الحكومة، وسيتلوه على حد قول الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري ،في الندوة التي أقامتها الجريدة (المصرى اليوم )معه حول القانون، اصلاحات أخرىستقضى على الرشوة والفساد والترهل الحكومى .
يبدو المشهد الحالى وكأن فئة من الشعب المصرى الذي ينادى بالعدل والانصاف تتراجع عن موقفها حين تمتد يد العدالة لتسترد ما اعتبرته حقا مكتسبا على مدى سنوات من الصمت والتواطؤالخفى مع الحال المايل .
من المفترض وعلى حد قول وزير التخطيط وهو المسؤول عن ما يقول، ان قانون الخدمة المدنية هو أحد محاور الاصلاح الادارى في مصر، وهناك قوانين أخرى في الطريق ستساهم في القضاء على الفساد الإدارى وظاهرة الرشوة بفصل مقدم الخدمة عن طالبها ،وذلك بتنفيذ خطة الحكومة الالكترونية والمجتمع الرقمى .
دكتور أشرف العربى حين سأله محمود مسلم رئيس التحرير: ألا تخشى على مستقبلك السياسى، ألا تخاف أن تطيح بك مظاهرات سبتمبر التي يتم الترتيب لها من قبل النقابات وموظفى الحكومة؟ رد مبتسما :«أنا أنفذ ما أراه الخير لهذا الوطن الذي أقسمت على الولاء له والعمل بكل جهد لخدمته، ولن أندم لو حدث ما تتحدث عنه» أفلح ان صدق.
لو خلصت النوايا ستبرأ مصر من الكثير من الأمراض المستوطنة وأهمها الفساد والظلم وعدم المساواة وتأسيس دولة القانون، على الحكومة أن تتقى الله في عملها وعلى الشعب ايضا أن يتقى الله ويتوقف عن التفكير بأسلوب«إياكش تولع» و«أنا وبعدى الطوفان» .....على قدر حُلمك تتّسعُ الأرض...فلاتضيقوا علينا الأحلام الله يرضى عليكم .
ektebly@hotmail.com