لم يكن تأييد الناس للسيسى أو محبتهم التي حظى بها لديهم مجانية أو بلا مقابل.
فلم يعد يكفى الرئيس السيسى اعتماد شرعيته فقط على أنه قد خلص البلاد من حكم الفاشية الدينية، وأنه قد حافظ على كيان الدولة من السقوط في يد الإرهاب، ذلك لأن المواطن لم يشعر بعد بأثر كل هذا على حياته، فلا يزال ينتظر أن يشارك في جنى ثماره، خاصة أن المعركة ضد الإرهاب لم تحسم بعد، ولا يزال الحبل فيها على الجرار. كما أن الدولة التي استردها السيسى من أيدى الإخوان لم يسلمها بعد لأيدى الشعب عبر برلمان منتخب، فتلقفها رجال الأعمال من أصحاب النفوذ ليسخروا إمكانياتها لصالحهم. ولا يزال الفقراء على هامش الاهتمام. بينما كبار الأثرياء ما زالوا يتصدرون المشهد.
ولا تزال يد الدولة مغلولة عن ملاحقة الفساد والفاسدين عجزا- وربما تواطؤا- عن استرداد حق الدولة لديهم كما لا تزال الأموال المهربة في مأمن من الملاحقة. وكان على السيسى أن يشرع في تعزيز شرعيته بالميل ناحية الفقراء والمهمشين فينصفهم من تغول أصحاب الأموال المشبوهة على حقوقهم، وأن ينحاز بالدولة- عبر تشريعات وقوانين هو مصدرها- لهؤلاء وليس لكبار المستثمرين الذين دخلوا في طور التدليل والبغددة فأصبحوا يملون شروطهم على الدولة؛ ليجبروها على التراجع أمام مطالبهم كما حدث في قانون الضرائب على أرباح البورصة، واستيراد القطن. وإذا كان الرئيس السيسى قد بشرنا بعدد من المشروعات العملاقة التي تحتاج إلى تمويلات ضخمة لا طاقة لنا بها اليوم إلا إذا أسرعت الدولة في استرداد مستحقاتها لدى المتهربين من دفع الضرائب التي تقدر بعشرات المليارات، كما لا بد للدولة من حسم المطالبة بحقها لدى ناهبى أراضى الدولة ولصوص المال العام، وأن تجدَّ في المطالبة بأموال الشعب المهربة إلى الخارج والتى لم نعد نسمع عنها شيئاً. لا شك أن الحرب ضد الفساد لا تقل أهمية عن الحرب ضد الإرهاب. فإحراز بعض الانتصارات في معركة الفساد سيساعد في سحب البساط من تحت أقدام الإرهابيين الذين يعتمدون في تبرير حربهم على الزعم بأنهم يحاربون دولة فاسدة تشجع الفساد وترعى أصحابه؛ فيجدون آذاناً صاغية لمزاعمهم لدى الكثيرين ممن أضناهم الشوق لرفع الظلم والحصول على حقهم في ثمار الثورة والإصلاح.
هذه هي معركة السيسى المؤجلة التي كان عليه أن يشرع في اقتحامها قبل كل معاركه الأخرى، فهل يبدأها الآن وليس غداً؟!