لم يظهر التأثير السلبى للأزمة المالية على الدول العربية ودول العالم الثالث، بقدر ما ظهر جليًا على الدول الأكثر اندماجا فى الاقتصاد العالمى، إلا أن التقارير والدراسات تؤكد أنه مع تعافى الدول المتقدمة سيكون التأثير أكثر سوءا على الدول النامية.
وكانت زيادة معدلات البطالة والاستغناء عن الوظائف من أبرز تأثيرات الأزمة التى هزت الاقتصادات العالمية، لدرجة جعلت الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون يعلن أن الأزمة المالية أضحت «أزمة وظائف».
بدأت الأزمة تتطور إلى احتجاجات ومظاهرات غاضبة فى عدد من الدول، مما أدى إلي تعطل الحياة وحركة الطيران، كما حدث فى احتجاجات إيطاليا.
وكانت بداية فقد الوظائف فى الولايات المتحدة، ومؤخرا توقع البيت الأبيض تباطؤ الاقتصاد لأشهر طويلة، بعد أن أعلن رئيس البنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى السابق آلان جرينبيس أن الولايات المتحدة لن تتمكن من تفادى الزيادة المطردة فى معدل إلغاء الوظائف وتزايد نسب البطالة. وهو ما دفع الرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما لأن يطلب من مستشاريه إعداد خطة انعاش اقتصادى من شأنها توفير 2.5مليون فرصة عمل خلال عامين.
وفى أوروبا كانت الأزمة أكثر وضوحا نظرًا لقوة النقابات العمالية بها، والتى خرجت فى مظاهرات احتجاجية فى مختلف الدول، بعد أن ذكرت مجموعة استشارات اقتصادية بريطانية أن أزمة الائتمان ستكلف لندن 62 ألف وظيفة مالية فى 2008 و2009 مما سيمحو مكاسب التوظيف فى السنوات الـ 10 الأخيرة.
وذكر تقرير للوكالة الفيدرالية الروسية للإحصاء أن عدد العاطلين عن العمل فى البلاد بلغ حتى أكتوبر الماضى 4.624 مليون شخص أو 6.1% من عدد السكان الناشطين اقتصاديا. وتوقع اتحاد الصناعة البريطانى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 3 ملايين شخص بحلول عام 2010.
وفى تركيا يهدد ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب بانتشار الاضطراب الاجتماعى، وأكدت الإحصاءات أن طلبات الحصول على إعانات البطالة، زادت إلى أكثر من الضعف فى نوفمبر الماضى لتصل إلى 139 ألفًا و233 طلبا. وتسببت الأزمة المالية العالمية فى فصل واحد من كل 5 من وظيفته، مما أدى إلى التظاهرات والاشتباكات بين مئات العمال والطلبة من ناحية والشرطة التركية من ناحية أخرى، احتجاجا على ارتفاع الأسعار، وسط مخاوف من أن يخدم تزايد مستويات الفقر فى شرق تركيا القتال الذى يقوده الانفصاليون الأكراد.
وفى آسيا يتم الاستغناء عن آلاف الوظائف يوميًا، وحذرت مصادر اقتصادية تايلاندية من احتمال فقدان سوق العمل نحو مليون وظيفة فى القطاع الصناعى قريبا، نتيجة تأثير الركود العالمى على صادرات البلاد التى ستتراجع.
وكشفت تقارير مختلفة أن حوالى 2.5 مليون شخص قد يفقدون وظائفهم فى منطقة دلتا «بيرل ريفر» التى تغطى هونج كونج وأجزاء بجنوبى الصين بحلول يناير 2009 نتيجة لتباطؤ الاقتصاد العالمى، وسط توقعات بإفلاس أكثر من ربع شركات هونج كونج الصغيرة والمتوسطة.
وحذرت نقابات العمال الإندونيسية من احتمال فقد 1.5 مليون إندونيسى على الأقل وظائفهم عام 2009، من بينهم 150 ألفًا فى قطاع النسيج و40 ألف عامل بقطاع المنتجات الجلدية ومئات الآلاف فى قطاع التشييد والبناء.
وفى اليابان، يعانى ملايين العمال المؤقتين من أوضاع اقتصادية أقل ما توصف به أنها صعبة، وهم غالبا ما يكونون أول ضحاياها. فمع تراجع أداء قطاع التصنيع فى اليابان تقل فرص استمرار العمال المؤقتين فى وظائفهم، وسيكون حوالى 3.5 مليون عامل مؤقت فى مقدمة ضحايا الأزمة الاقتصادية.
وكان قطاع البنوك من أكثر القطاعات استغناء عن الوظائف، خاصة أنه كان الأكثر تضررا من الأزمة، وقرر بنكا «كريدى سويس» السويسرى و«إتش.إس.بى.سى» البريطانى إلغاء مئات من الوظائف المصرفية، بعد أن تسببت الأزمة العالمية فى إلغاء أكثر من 90 ألف وظيفة فى البنوك العالمية الكبرى منذ سبتمبر وحتى نوفمبر 2008.
كما قرر «بنك أوف أمريكا» الاستغناء عن حوالى 35 ألف موظف خلال 3 سنوات. وأعلنت مجموعة «سيتى جروب» المالية الأمريكية الاستغناء عن 10 آلاف فرصة عمل على الأقل، لتكبدها خسائر وصلت إلى 20 مليار دولار، وكانت قد استغنت بالفعل عن 23 ألف وظيفة. وقررت وزارة المالية الكورية الجنوبية إجبار عدد من المؤسسات الحكومية الرئيسية على خفض عدد موظفيها وبيع الأصول الحكومية غير الضرورية والاستغناء عن 19 ألف موظف خلال 3 سنوات.
وفى قطاع السيارات توقعت شركة «جنرال موتورز» الأمريكية إلغاء 135 ألفًا و500 وظيفة فى أمريكا الشمالية بحلول 2012. ولم يستبعد رئيس شركة مرسيدس الألمانية راينر شموكل تخفيض العمالة فى شركة دايملر فى حالة استمرار تأثير الأزمة الحالية على سوق السيارات.
وتحول الغضب من إلغاء الوظائف وتسريح العمال إلى إضرابات واحتجاجات، وأحيانا اشتباكات فى الدول التى تتمتع بنقابات عمالية قوية، ومن المتوقع أن تمتد الاحتجاجات إلى باقى دول العالم إن آجلا أو عاجلا.
ومن أبرز الدول التى شهدت احتجاجات ومواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة فى هذا الصدد، البرازيل وألمانيا وأيسلندا.
ورغم أن الاحتجاجات لم تحدث فى العالم العربى والشرق الأوسط إلا أنه مع تزايد معدلات البطالة والاستغناء عن الموظفين قد تكون النتيجة مزيدًا من التوتر فى منطقة مرتبكة بالأساس.
ولعل هذا هو ما دفع المشاركين فى «إعلان الدوحة» إلى التوجيه بتخفيض معدلات البطالة فى البلدان العربية إلى النصف، وتنبيه قادة الدول العربية إلى «أن آثار البطالة تهدد السلام الاجتماعى والأمن الوطنى والعربى»، خاصة أن تفاقم البطالة وتأزم أوضاع التشغيل يمثلان ظاهرة مزمنة تعانى منها جميع المجتمعات العربية دون استثناء، ويتحتم إيجاد ما يزيد على 4 ملايين فرصة عمل جديدة سنويا».