فلاسفة الاحتيال فى مدارس إهدار التعليم

طارق عباس الجمعة 21-08-2015 20:53

كأننا نمنا ذات ليلة ثم استيقظنا على بلد غير الذى كنا نعيش فيه وعلى قيم ليست كتلك التى احترمناها وكنا جزءا منها وكانت جزءا منا، الجار لم يعد هو الجار والصديق غير الصديق، حتى المعلم الذى كاد أن يكون رسولاً أصبح هو الآخر كياناً غريباً ومريباً يمارس كل ما ليس له أى علاقة بالتدريس «النهب، التهليب، الاستغفال، الاستهبال، التودد للأطفال»، إلى أن انتهى به المطاف لكونه شبه سمسار عقول وسمسار فلوس وسمسار تلاميذ، وسمسار عقول، لأنه يحشوها بمعلومات يعلبها فى مذكرات سطحية وغير علمية تعود الصم وتقتل الابتكار وتحول التلميذ من مبدع ومبتكر إلى مجرد كمبيوتر يحفظ المعلومات ويخزنها إلى حين يفرغها فى ورقة الامتحان دون أن يوظفها أو يفيد بها الآخرين، سمسار فلوس لحرصه عليها ورغبته فى اكتنازها ولو على حساب نفسه أو ذمته أو على حساب ولى الأمر الغلبان الذى يطفح الكوتة كى يعلم ابنه اعتقاداً منه بأنه سوف يصل به إلى بر الأمان، سمسار تلاميذ لأنه لا يقبل أن يعطى الحصة الواحدة بأقل من 20 جنيها للساعة لطلبة الابتدائية و30 جنيها لطلبة الإعدادية و40 لطلبة الثانوية العامة ويشترط هذا السمسار أقصد المدرس ألا يقل عدد التلاميذ الذين يتعلمون منه العلم عن 10 رؤوس، هذا إذا كان المدرس غلبان، وكما يقول العامة: «على أد حاله» أما إذا كان من القروش والحيتان فهو سابح على تلال من أموال قد لا يحصل عليها تجار الآثار والمخدرات والراقصات والتى يتقاضاها من هذا «السنتر» أو ذاك، وهو يدرس فى فصول لا يقل عدد المترددين عليها عن 50 رأساً يدفع الواحد منه 30 جنيهاً فى الساعة الواحدة، وبذلك يصبح دخل المدرس بالحساب وبالعربى وبكل اللغات 1500 جنيه عن كل ساعة أى 15 ألف جنيه يومياً لو افترضنا أنه سيكتفى بعشر ساعات فقط أى 450 ألف جنيه شهرياً، قد تسألنى وأين هذه السناتر، أقول لك هى منتشرة كالسرطان، تفترس الجيوب وتثرى قساة القلوب، وأولياء الأمور صابرون عليها صبر أيوب وهى موجودة بالمناطق الشعبية: «إمبابة وبولاق والهرم وعابدين والزاوية الحمراء»... إلخ. ناهيك عن سناتر أولاد الناس بالدقى والمهندسين والزمالك فلها شأن آخر ومكاسب أخرى يصعب على أمثالى حسابها. الغريب بعد كل هذا أن يخرج البعض ويبرر تلك التجاوزات اللاأخلاقية تحت ستار محدودية دخلول المدرسين، لذلك فهم مضطرون لممارسة الدروس الخصوصية لمواجهة ضغوط الحياة عليهم، طبعاً فلسفة للنصب يراد بها النصب، لأن معاناة المدرس لا تقل عن معاناة موظفى المحليات والصحة والجامعات و... و...، ولو ارتضينا بتجاوز المدرسين فلماذا لا نفتح باب التجاوزات لكل الناس؟ ولماذا نغضب لاستغلال بعض الموظفين لمناصبهم من أجل التربح الحرام؟ أليس النهب حقا مباحا لهم مثلما هو مباح لبعض المتجاوزين من المدرسين؟

الغريب بعد كل هذا أن يخرج من لا يزالون يحدثوننا عن مجانية التعليم، يا أخيييى عيب 10 مليارات جنيه تهدر سنوياً تحت أقدام مدرسى الخيبة ليخربوا عقول أبنائنا وبناتنا ثم يقولوا لنا مجانية التعليم يا أخيييى عيب، أولياء الأمور يدخلون جمعيات ويضيقون على أنفسهم ويتنازلون عن جزء كبير من رواتبهم لصالح هؤلاء من أنصاف البشر ثم يقولون مجانية التعليم يا إخيييى عيب، التلاميذ يتنافسون فيما بينهم على التقرب من أستاذ الفصل والمدرسون يتنافسون فيما بينهم على الإيقاع بالتلاميذ ومولد يا أفندى، والنتيجة غياب للكفاءات وحصول الصميمة على المراكز العلمية المتقدمة بالغش والتدليس والفهلوة ثم يخرج البعض ليحدثونا عن تربية وعن تعليم يا إخييييى عيب.

بصراحة ما يؤرقنى ويكاد يطير النوم من عينى ليس موت ضمائر هؤلاء المحسوبين على أشرف مهن الدنيا «التدريس» وإنما موت الدولة التى باتت تحكمها مؤسسات لم تعد ترى ولا تسمع ولا تتكلم، مؤسسات سارت هى والعدم جزءا لا يتجزأ ولو لم تكن كذلك، فأين وزارة التعليم من تلك الممارسات القبيحة الدنيئة والتى لا تسىء لكرامة المدرس فحسب وإنما لإنسانية الإنسان، أين مصلحة الضرائب منهم؟ لماذا تغض الطرف عنهم وتتركهم يعيثون فى جيوبنا نهبا وتهليبا وتخريبا وكل مفردات النصب والاحتيال؟

يا سادة التعليم بهذه الصورة تمويت للقيم والضمائر والعقول وإهدار للكرامة والمال والوقت والجهد، التعليم بهذه الصورة وصمة عار فى جبين وزارة التعليم، ولا بد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من طرح قضية الدروس الخصوصية لحوار مجتمعى يكون الحديث فيه عن الواجبات قبل الحقوق والكفاءة العلمية قبل الكادر الخاص والعام وهذا الكلام الفارغ، وإلى أن يسمعنى المسؤولون أتقدم باقتراح مؤداه: استثمار مدارسنا مؤقتا بتحويلها إما إلى صالونات حلاقة أو متاجر شعبية أو مولات تجارية أو ورش للنجارة والحدادة أو جراجات للسيارات علها تكون نافعة أكثر لنا وعلنا ننقذ اقتصاد هذا البلد من ذهاب العقول والموارد فى آن واحد.