هــؤلاء

عبد الناصر سلامة الخميس 20-08-2015 21:38

الأساتذة إبراهيم نافع، وإبراهيم سعدة، وحسن حمدى، على الترتيب رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير أخبار اليوم، مدير عام إعلانات الأهرام ورئيس النادى الأهلى، طبعا كل هذا سابقا، إلا أنهم مازالوا يشكلون فى الذاكرة الصحفية الكثير.

هُم إلى جوار الأستاذ سمير رجب، رئيس مجلس إدارة دار التحرير، ورئيس تحرير صحيفة المساء، أكثر من أثروا العمل الصحفى، أو هذه المهنة بصفة عامة، على امتداد نحو ثلاثة عقود، فتركوا من البصمات ما لا يمكن محوه، وتركوا من الإرث ما لا يمكن العبث به، وتركوا من الحكايا الإنسانية ما لا يقبل التهوين، وإذا كنا نتحدث عن رؤساء تحرير، فلم يكن الكابتن حسن حمدى أبدا أقل قيمة، بل على العكس، لم تكن الدفّة يمكن أن تسير بدونه يوما ما، فى أكبر المؤسسات الصحفية.

أتذكر ذلك ربما بصفة شبه يومية، كلما طرأ اسم نافع أو سعدة تحديدا فى أى منتدى، وهما اللذان يعيشان خارج مصر، منذ ما بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، لأسباب تتعلق باتهامات إدارية، أو مالية، أو منح هدايا، وما شابه ذلك، رغم أنى أوقن، بصفة شخصية، أنهما لو كانا قد استمرت إقامتهما فى مصر لكانا قد حصلا على براءة ذمة من تلك الاتهامات، إلا أن الوضع كما رأينا مع معظم الوزراء والمسؤولين، لابد من الخضوع لحبس احتياطى، غير محدد المدة، إضافة إلى فترة المحاكمات، وهو ما وصل مع البعض إلى ما يقارب الأربعة أعوام.

أى منطق هذا، وأى عاقل يمكن أن يقبل بذلك، بل قد يحصل هذا أو ذاك على حكم بالإدانة، ثم يحصل على البراءة بعد الطعن، ويكون قد أمضى فى السجن أيضا ما يقارب المدة سالفة الذكر؟!، نحن نتحدث عن قيادات، جعلت من مؤسساتها صروحاً أشبه بالأهرامات، سواء على مستوى المبانى والإنشاءات، أو على مستوى الاسم التجارى، أو على مستوى تعداد العمالة التى استوعبتها فى وقت كانت البلاد تئن فيه من البطالة، أو حتى على مستوى ما كانت تحقق من أرباح سنوية، وما تصرف لعمالها وإدارييها وصحفييها من أجور وحوافز.

سمير رجب كان قد غادر البلاد هو الآخر، إلا أنه توصل إلى تسوية من نوع ما مع الدولة، وعاد على إثرها، أما حسن حمدى فقد عانى الأمرّين داخل مصر، وناضل فى مواجهة البلاغات الكيدية المتعددة، أما نافع وسعدة فيبدو أنهما على غرار الوزيرين، رشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالى، قد استسلما للظروف، وآثرا العيش خارج الوطن، على اعتبار أن ذلك قد يكون أهون من الحبس والتنكيل الذى قد يستمر لسنوات لحين إثبات البراءة.

نحن هنا نتحدث عن قامات مصرية، فعلى سبيل المثال، كان إبراهيم نافع لسنوات طويلة نقيبا للصحفيين المصريين، ورئيسا لاتحاد الصحفيين العرب، وكل ذلك كان بالانتخاب الحر المباشر، ولو كان مُداناً إلى هذا الحد الذى يحاول البعض إلصاقه به، فيجب أن تشمل الإدانة جموع الصحفيين التى كانت حريصة على انتخابه بأغلبية ساحقة، وقد كان الرجل تمثيلا مشرفا لمصر بالخارج، على امتداد كل تلك السنوات. نفس الوضع ينطبق على إبراهيم سعدة، الذى أمضى سنوات طويلة على رأس مؤسسة كبرى، لم يكن أحد أبدا يستطيع أن يشكك فى ذمته بأى شكل من الأشكال، حيث كان الرجل راقيا، أيما رقى، وبمنأى عن أى شبهات، أما حسن حمدى، فيبدو أنه قد أخطأ بالاستمرار فى موقعه كل هذه السنوات، حيث كان يمكنه أن يربح من خارج الأهرام أضعاف ما كان يحصل عليه من الأهرام، إذا قرر ترك المؤسسة فى أى وقت، بحكم خبرته فى مجال عمله.

ما أراه، هو أن وجود قامات مصرية بحجم نافع وسعدة خارج البلاد، وفى ظروف كهذه، هو أمر يمس سمعة الوطن، يمس سلطته التنفيذية، يمس قضاءه، يمس تاريخه، بل يمس استقراره فى عيون الآخرين، بالتأكيد هناك حلول لمثل هذه الأوضاع، بالتأكيد يمكن إجراء مفاوضات مع كل من يخشى العودة إلى وطنه لإقناعه بالعودة، يمكن لرئيس الدولة أن يتبنى شخصيا هذا الأمر بضمان تحقيق العدالة وضمان الكرامة، فالغِلَّاويون كُثر، والحاقدون أيضا، والمتربصون كُثر، والمتحفزون أيضا، بالتأكيد هذه القيادات فى حاجة فقط إلى الحماية من الغل والحقد والتربص والتحفز، وهو ما نحن فى حاجة إليه جميعا الآن.

من المهم فى هذه المرحلة أن ننفض غبار التشفى وتصفية الحسابات، إذا أردنا للقافلة أن تسير، فلنبدأ صفحة جديدة إذا كنا نريد أن ننهض من هذه الكبوة بالفعل، فلنعلنها صراحة وبكل وضوح، إننا لن ننجر وراء أى حقد من أى نوع، مصر فى حاجة إلى جميع أبنائها على مختلف اتجاهاتهم السياسية، على مختلف اتجاهاتهم الفكرية، على مختلف أعمارهم، فقد كانت دائماً كذلك عبر تاريخها، ويجب أن تظل كذلك أيضا.. واحة للاحتواء ولم الشمل.

abdelnasser517@gmail.com