المصريون والإسلام السياسى

داليا زيادة الخميس 20-08-2015 21:36

عندما خرج الشعب المصرى بعشرات الملايين فى 30 يونيو، لم تكن ثورتنا ضد جماعة الإخوان وحدها، ولكن ضد كل أشكال الإسلام السياسى، الذى شكل تهديداً صريحاً للهوية المصرية بمحاولاته الفاشلة لتدنيس الإسلام واستغلاله فى حشد البسطاء لتحقيق مكاسب سياسية يستطيعون من خلالها نشر الأفكار المتشددة التى يروجونها فى فتاواهم ليل نهار؛ بدءاً من تحقير المرأة والتعامل معها على أنها عورة، وتحريم تهنئة الأقباط، وتكفير المختلفين معهم، وانتهاء بإهانة الوطن بشكل صريح برفضهم للوقوف لتحية العلم وتحريم النشيد الوطنى، وهو الأمر الذى انتهوا عنه مؤخراً بعد أن كانوا يحرمونه من باب مواءمة الظروف واستغلال الفرصة السياسية المتاحة.

تكونت الأحزاب الدينية التسعة التى نرجو حلها، فى مرحلة الفوضى السياسية التى حدثت بعد ثورة 25 يناير مباشرةً، واستغلت فترة وجود جماعة الإخوان الإرهابية فى الحكم لتثبّت قواعدها، ولهذا لم يكن مستغرباً ما قامت به معظم هذه الأحزاب من حشد لجماعة الإخوان فى الانتخابات البرلمانية 2011 والرئاسية 2012، ثم فى أوكار رابعة والنهضة فى 2013، وكانت مساندتها للإخوان قائمة على أسس دينية بحتة لا علاقة لها بالسياسة ولا بمصلحة الوطن. واليوم تريد هذه الأحزاب المشاركة فى الانتخابات البرلمانية المرتقبة بطموح الحصول على أكبر عدد من المقاعد لنعيد نفس مأساتنا مع الإخوان ولكن بذقون جديدة هذه المرة.

ولأننا لن ننتظر حتى تتكرر المأساة، فقد أطلقت فى مصر منذ أيام حملة شعبية مستقلة بعنوان «لا للأحزاب الدينية» بدعوة من الناشط محمد عطية، منسق الحملة، وهى حملة مهمة أدعو كل المصريين للمشاركة بها، وكان لى شرف الالتحاق بها ضمن مئات من الشباب والشخصيات العامة للتعبير عن الرفض الشعبى لاستمرار وجود تسعة أحزاب دينية على الساحة السياسية بما يخالف الدستور، وتدعو المواطنين لتفويض القائمين على الحملة من خلال ملء استمارة برفع دعاوى قضائية تطالب بحل تلك الأحزاب، وغلق الثغرات فى قانون الأحزاب التى مكّنتهم من النفاذ إلى سطح العمل السياسى فى مصر.

بعدما دشنا الحملة بساعات، خرج قادة إحدى هذه الأحزاب بتصريحات مستنكرة تصب فى نقطتين رئيسيتين، الأولى تدعى أن هدفنا هو المنافسة السياسية معهم، رغم أن القائمين على الحملة كلهم من الشباب المستقل الذى لا ينتمى لأى أحزاب، ولا ننوى نزول الانتخابات البرلمانية، وهذا ينفى تماماً ادعاء المنافسة.

أما النقطة الثانية، والخادعة، فكان فحواها أن المطالبة بحل الأحزاب الدينية فيه إقصاء لفئة معينة ذات قواعد شعبية وأن هذا يتنافى مع مبادئ الديمقراطية، ويبدو لى أن هذا ما يغل يد ولاة الأمر فى مصر عن الإطاحة بهذه الأحزاب خارج المشهد السياسى خوفاً من تهمة الإقصاء، لكن هذه كلمة حق يراد بها باطل.

أولاً؛ القواعد الشعبية التى تتحدث عنها تلك الأحزاب الدينية تم حشدها عبر منابر المساجد واعتماداً على وعود دينية لا علاقة لها بأى فعل سياسى حقيقى، وفى هذا فساد أراه أكبر من الفساد السياسى والمالى المعروف، ومن واجب ولاة الأمر بالدولة المصرية محاربته ووضع حد له.

ثانياً؛ الديمقراطية لا تساوى الانتخابات، الديمقراطية هى مجموع الممارسات التى تسمح للمواطن بتقرير مصيره بنفسه من خلال إعطائه مجموعة من الاختيارات الصالحة فى إطار رؤية الدولة الشاملة لتحقيق التقدم، ومن واجب الدولة التأكد أن الاختيارات المتاحة للمواطن للانتخاب من بينها كلها سليمة وصالحة وتتفق مع الرؤية العامة. وإلا سنفتح الباب لإساءة استغلال مبدأ الديمقراطية بنفس المنطق الذى يساء به استغلال الإسلام على يد هؤلاء لتحقيق طموحهم السياسى.

وأخيراً، مصر أكبر!

daliaziada@gmail.com