أن تجلس فى ظهيرة يوم حار جداً فى محل- بمثابة مطعم وكافيتريا- عريق بمدينة الإسكندرية عروس البحر الأبيض سابقاً شىء رائع، ففضلاً عن الارتواء الجسدى ثمة جلاء بصرى يغشاك من فرط جمال الأبنية والمحال القديمة، المحل رحب جداً والسقف العالى يشرح الصدر، لكن النفس الأمارة بالسوء غالباً ما تدفع إلى عينك بما يكدرك من تحولات المكان، فالنوافذ الطويلة العملاقة مغلقة ومسدل عليها الستائر؛ لأن من الصعب فتحها حتى لا تهاجمك عوادم السيارات والأصوات أو حجارة الصبية العابسة، واستعاضوا عنها بتكييفات كبيرة زرعوها فى الحوائط المدهونة بالأبيض خصيصاً لتتوافق مع لون التكييفات، وهو لون لم يتناسب مع وسادات الكراسى والكنب البنية المتناسبة مع لون الخشب السائد فى المكان، فحتى الثريات الضخمة من خشب فائق الجودة، ولا توجد آثار تدل أنهم زمان كانوا يستخدمون المراوح فى التهوية فيكفى فتح نافذة أو اثنتين ليغمرك الهواء الرطب القادم من البحر، أما البار العريق فموجود كما هو والكراسى منزوعة الظهر الفخمة ذات الوسادات الضخمة لاتزال رابضة أمام البار الذى يستخدمونه لعمل الشاى والقهوة والنسكافيه والمشروبات الساخنة والباردة الحلال، لكن لا يجلس أحد يتناول مشروبه أمام البار والكراسى مضمومة بشدة إلى حافة البار كى تمنع الجلوس، كفتاة مراهقة تضم ساقيها وهى جالسة بالمترو، كل فترة زمنية وجيزة تمر عاملة النظافة بالمساحة تمسح حولك، ثم تكمل مهمتها فى الحمامات التى تبدو نظيفة جداً، لكنك تحس أنها نظافة شكلية عندما تتجه إلى نفس المبولة بعد ساعتين فتجد عقب السيجارة الذى ألقاه أحدهم مازال موجوداً، وتدخين السجائر والشيشة مسموح به فى المكان رغم أنه شبه مغلق! وجعلنى ذلك أتفكر قليلاً فى المكان الذى أحبه؛ لأنه ملاصق لفندق «متروبول» الذى كان فيما قبل مبنى تابعاً لوزارة الرى وكان يعمل به الشاعر السكندرى العالمى «كفافيس» الذى تلهمنى قصائده، وكان المحل ملكاً لليونانى «يورغوس بيرليس» مؤسس حلوانى «بوتيت تريانون».. وسُمى على اسم قصر «تريانون» مسكن الملكة الفرنسية الشهيرة «مارى أنطوانيت»، وكان موقعه فى الجانب الأيمن من حديقة قصر فرساى الشهير مقر إقامة ملوك فرنسا (لويس الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر)، وقد شهد أحداث الثورة الفرنسية عام 1789، وعن جمال قصر «تريانون» الآتى: أن الملكة مارى أنطوانيت كانت مغرمة بالعطور، وقد استدعت صانع عطورها «جان فرغون» ذات يوم وكلفته بصنع عطر يلتقط روح قصر «تريانون» وطلبت بالنص عطراً يعبر عن روح المكان أكثر من مجرد التعبير عن الأزهار وحديقة القصر! وبالفعل صنع لها جان عطراً سحرياً زهرياً حساساً، ويقال إنها بمجرد علمها بقيام الثورة طلبت من صانع العطر ملء زجاجة إضافية من العطر وهى تستعد للهرب مع زوجها القيصر، ويقال أيضاً إن رائحة العطر الفواحة كانت السبب فى القبض على العائلة الملكية وإعدامها بعد أن شك فيها موظف الفندق، وتأكد أنها ليست سيدة عادية إنما من النبلاء الهاربين! ما علينا بصحة هذا الكلام من عدمه.. السؤال: لو دخلت مارى أنطوانيت الآن المكان المسمى باسم قصرها وباغتتها روائح التبغ والمعسل والتفاح واللبان.. مش كانت حتقول المقصلة أرحم.