أشياء كثيرة لم يهضمها عقلى خلال أيام مضت فى دمشق، ولكن أهمها شيئان، أما الأول فهو اعتقاد الإخوة فى سوريا، خصوصاً على المستويات الرسمية، أن إيران تدعو إلى حوار، وإلى سلام مع دول الخليج الست، وأن هذه الدول هى التى ترفض، وأما ثانيهما فهو لهجة الصحف السورية الأربع الرئيسية فى الكلام عن السعودية.. إنها لهجة لم أستسغها لأسباب سوف أبينها حالاً!
حول المسألة الأولى، دخلتُ من جانبى فى نقاش ممتد مع عصام خليل، وزير الثقافة هناك، وقد كان تقديره، وهو يتكلم فى البداية، أن إيران تقف مساندة للحق العربى، ومما قلته له إن هذا غير صحيح، وإن ذلك إذا كان صحيحاً فهو بحاجة إلى دليل، لأن الثابت يومياً، من ناحية إيران، هو العكس.. وإلا.. فهل ما تقوم طهران به فى العراق من قبيل المساندة للحق العربى؟!.. وهل ما تقوم به من دعم لجماعة ضد وطن بأكمله فى اليمن، هو من قبيل مساندة الحق العربى.. وهل.. وهل.. إلى آخر ما نراه ونتابعه فى كل يوم؟!.. ثم هل ما تمارسه طهران إزاء البحرين من قبيل مساندة الحق العربى؟!
عاد الوزير يقول إن الموقف الإيرانى فى المنامة، مثلاً، داعم للحوار بين المعارضة والحكومة.. وهو كلام منه رأيته غير صحيح أيضاً، ومناقضاً للواقع فى العاصمة البحرينية المنامة، لأنه لا يمر يوم تقريباً إلا وتصدر فيه تصريحات عن مسؤول إيرانى، تبدو مستفزة للغاية لأى مواطن بحرينى ينتمى لوطنه، ثم لا يكاد يمر يوم آخر إلا وتكون القيادة فى طهران مساندة لجماعة الوفاق المعارضة فى البحرين، ضد الحكومة، بدلاً من أن تكون على الحياد، أو تكون داعية إلى حوار جاد ووطنى بين الطرفين!
وهكذا، فإن الأمر فى حاجة إلى مراجعة حقيقية، سواء من جانب الإخوة السوريين، الذين يرون فى المسلك الإيرانى الحالى، سلوكاً إيجابياً تجاه الخليج، لا نراه، ولا يصدقه الواقع، أو من جانب السلطة فى إيران نفسها، إذا كانت راغبة فى العيش فى سلام مع جيران لها، ليس فى إمكانهم أن يتركوا المنطقة ويرحلوا، ولا فى إمكانها هى أن ترحل!
واختصاراً، فإن إيران تظل مدعوة إلى تقديم ما يثبت حُسن النية فى أجوائها العربية التى تتحرك فيها، ثم إن علينا نحن، فى المقابل، أن ننفتح عليها، لنضع حقائق الأرض أمام الذين يقودون فيها بوضوح، ولنقول لها دائماً إن الدول من حولها دول ذات سيادة، وإن مواطنى هذه الدول لن يقبلوا ما يمس هذه السيادة، وإننا فى الإجمال أبناء إقليم واحد، وإنه لا حياة بيننا إلا بالتعاون، والحوار الدائم لا التصادم!
وعندما أزعجتنى اللهجة الحادة فى الكلام عن السعودية فى الصحف السورية، وضعت ذلك أمام هلال الهلال، أحد قيادات حزب البعث الحاكم، وكان رأيى أن مصر، وسوريا، والسعودية، كانت دائماً معاً، وأن وجودها معاً لصالح كل دولة منها، ثم لصالح العرب جميعاً، وأن الشقاق القائم حالياً بين الرياض ودمشق سوف ينتهى ذات يوم، ولن يدوم إلى الأبد، وأن محوراً من نوع ما كان قائماً بين الدول الثلاث لابد أن يعود، وأن ذلك فى حاجة إلى تهيئة الأجواء لا إلى إشعالها!
أعداء هذه الأمة هم المستفيدون الوحيدون من وجود القاهرة والرياض فى ناحية، ودمشق فى ناحية أخرى. هم المستفيدون الوحيدون والحصريون، ولابد أن نقطع عليهم الطريق.. لابد!