الحال من بعضه

عبد الناصر سلامة الأربعاء 19-08-2015 21:49

إلقاء الضوء على محافظ ومحافظة الإسكندرية، فى مقال سابق، فتح جراحاً كبيرة فى المحافظات المختلفة، وصل عددها إلى ٢٧ جرحا، بعدد كل المحافظات، اكتشفتُ من خلال اتصالات لم تتوقف أن الشكوى من جميع المحافظين، ربما دون استثناء، ولماذا الإسكندرية فقط، هكذا يتساءلون، الحال من بعضه، لدينا نفس الأوضاع، لا يوجد أى تطور من أى نوع، اختيارات خطأ، فى المواقع الخطأ، كانت النتيجة، ما نحن فيه اليوم من انتكاسات.

أحد المحافظين منذ تعيينه يردد عبارة واحدة: نفسى أرجع البيت، لم أُحِب هذا العمل منذ اليوم الأول لتعيينى، محافظ آخر واجه المواطنين بقوله: أنا لا أعمل لديكم، أتقاضى راتبى من الدولة، محافظ ثالث لم يخرج من مكتبه لأى موقع ميدانى منذ تعيينه، آخرون يعتبرونها تكريما فى نهاية حياتهم الوظيفية، إذن ليس مطلوبا منهم العمل، أو حتى الاجتهاد، وآخرون أياديهم مرتعشة، القوانين تكبلهم، واللوائح تعوقهم، إجمالاً: المحافظات فى أزمة حقيقية.

السؤال الذى يتبادر إلى الذهن هو: هل هى ندرة كفاءات فى مجتمعنا؟ لا أعتقد ذلك أبدا، هل هى وظيفة (هايفة) ممكن أى عابر سبيل يقضيها؟ لا أعتقد ذلك أيضا، هل هى عزبة، من حق الحكومة تعيين فيها من تشاء؟ بالتأكيد، لا، ما الذى يجرى إذن، وما هذه النكبة التى أصابت الإدارة المحلية فى مصر، كل ما هو وارد من المحافظات يؤكد أن الفساد هناك، ومنذ ٢٥ يناير ٢٠١١، قد تخطى الرُّكَب إلى الأعناق، وفى كل المجالات بلا استثناء، الفساد أصبح هو العامل المشترك الذى يجمع بين كل محافظات مصر، إذا أضفنا إلى ذلك حالة الضعف العام بين صفوف القيادة العليا، سوف نجد أنفسنا أمام كارثة، وليست مجرد أزمة.

فى أى حوارات خاصة للمحافظين، يلقون باللائمة على نقص الإمكانيات المادية، قد يكون هذا المبرر كافيا بالفعل، لتعويق العمل فى أى مكان، إلا أن المحافظ فى موقعه، أصبح من الضعف إلى درجة أنه لا يستطيع أن يجاهر بذلك، لا يستطيع أن يواجه قيادته بحقيقة الأوضاع المتردية حوله، هو فى معظم الأحوال تربية عسكرية، هو حسب طبيعة عمله السابقة، لا يجب أن يتخطى القيادة بأى شكل، هناك لديهم ما يسمى التسلسل القيادى، قد يكون الإكثار من الشكوى، أو من الطلبات فشلا، وقد يعتبرونه تمردا، فى السابق كانت هناك اجتماعات دورية لرئيس الجمهورية مع المحافظين، لا أدرى ما هو الوضع الآن، هذه الاجتماعات كانت مهمة إلى حد كبير، كان يتم خلالها حسم معظم الأمور العالقة، والتى كانت فى معظمها متشابهة.

اختيارات المحافظين أيها السادة يجب أن تُنقّب فى الكوادر المحلية، تبحث عن هؤلاء الذين تربوا وترعرعوا فيها، السقوط بالبراشوت على المحافظات، لم يكن فاعلا أبدا إلا فيما ندر، لا يجب بأى حال أن يكون المحافظ، باشا من أى نوع، لن يستوعب ما يجرى هناك قبل مرور سنوات، تكون الأوضاع خلالها قد ازدادت سوءا، لو كان هناك كشف حساب شهرى، أو حتى ربع سنوى، لكانت قد تغيرت أمور كثيرة، ربما تم تغيير هذا المحافظ أو ذاك، بسرعة فائقة، لن يكون هناك ما يسمى حركة المحافظين، التغييرات سوف تطال المقصرين فورا دون انتظار مواعيد موسمية.

فى أوقات كثيرة، أشعر بأن زملاءنا مراسلى الصحف بالمحافظات، أدرى بشعابها من ذلك المحافظ القادم من أقصى البلاد إلى أقصاها، وذلك لتواجدهم سنوات طويلة بهذه المحافظة، أو تلك، وهو ما يؤكد أن أبناء كل محافظة، هم دائماً الأفضل عند الاختيار، ما بالنا إذا كانوا من المقيمين بها، ومن العاملين فيها، ثم من المهتمين بشؤونها.

لا يعقل، بأى حال، أن يكون منصب المحافظ تكريما، أو مجاملة، أو شلوت من مكان آخر، نحن بذلك نضُر بملايين البشر، بمصالحهم، بمستقبلهم، بأوضاعهم الصحية، والتعليمية، والاجتماعية، وكل شىء تقريبا، نحن هنا نتحدث عن رئيس دولة فى موقعه، نتحدث عن المسؤول الأول فى المحافظة، بالتالى يجب أن تكون لديه الدراية الكاملة بشؤون المحليات ككل، وليس هذا الإقليم، أو ذاك فقط، كما يجب أن يكون متواصلا مع المنظومة الاجتماعية، أو الشعبية، على اختلاف درجاتها، وطبقاتها.

من هنا أيضا، وحتى نضع الأمور فى نصابها، هم فى حاجة إلى إطلاق أيديهم، بمعنى أن تكون لديهم صلاحيات رئيس الجمهورية بالفعل، تصبح لديهم حرية اتخاذ القرار، قد يتطلب الأمر أوضاعا استثنائية لإقليم ما، بمنأى عن بقية الأقاليم، نحن هنا لا نقصد أبدا استثناءات لأفراد، وإنما لكل الإقليم، قد يتعلق الأمر بقوانين البناء، أو الهدم، أو التملك، أو حق الانتفاع، وقد يتعلق بجمع تبرعات، أو الجهود الذاتية ككل، فى تنمية الإقليم، أو رفع أسعار، أو تخفيضها، تبعا للأوضاع الطارئة هناك.

إلا أن كل ذلك أيضا سوف يستدعى وجود محافظين، على مستوى المرحلة، وهو ما نفتقده الآن.

abdelnasser517@gmail.com