«السينما الجوالة».. فرصة العشوائيات للارتقاء الثقافي

كتب: دويتشه فيله الأربعاء 19-08-2015 15:09

أطلقت مجموعة شبابية مبادرة «السينما الجوالة» لعرض الأفلام في المناطق العشوائية في القاهرة، ما ساهم في تغيير منظومة القيم فيها، ويتم ذلك عبر شاشات متجولة في مختلف المناطق العشوائية.

يقول أحمد شكشوك، عضو العلاقات العامة في المبادرة، في حوار مع «DW عربية»، إن بداية الفكرة جاءت من اهتمامهم الشديد بقضايا المجتمع وخصوصا بالأطفال والشباب، مضيفًا: «بدايتنا كانت في المساجد بسبب تكرار الخطب في الجوامع التي لا تضيف جديدا، والشباب لم يعد يقبل على الجوامع»، ويؤكد: «عرضنا فيديوهات تحتوي على قيم معينة مثل الصدق والأمانة وعدم التحرش، لأننا مقربون من الشباب ونعرف كيف يفكرون»، ويشير إلى أن: «ما ساعدهم على ذلك هو أن زميلنا في المبادرة خطيب مجاوب، أي حاصل على تصريح من وزارة الأوقاف، مما سهًل مهمتنا».

وأشار «شكشوك» إلى أن الفكرة تم تطويرها لاستهداف مناطق العشوائيات بعرض محتويات ثقافية وفنية في ناد أو مقهى يتم الاتفاق معه على عرض الفيلم، ويقول: «رغم قلقهم في البداية من هذه العروض، إلا أن رؤيتهم للأفلام التي نعرضها شجعتهم على مشاهدتها». والأهم، حسب «شكشوك» أنهم يعرضون أفلاما أخرى لتنمية المهارات مثل الرسم والفن والكتابة، مشيرًا إلى أن هناك تعاونا بينهم وبين مكتبات مصر العامة لتوفير كتب للاستعارة.

ورغم عدم دراستهم للسينما إلا أنهم انخرطوا بشكل كبير في أنشطة طلابية واحتكوا بالمجتمع، وهناك تنسيق وتعاون بينهم وبين «أكاديمية التحرير» ومؤسسة «مدد» لخدمة المجمع. أما عن طريقة اختيار الأماكن، فيقول: «لا يوجد معيار معين، ونزلنا بالفعل في مناطق عشوائية مثل السيدة زينب وحلمية الزيتون ومركز شباب الجزيرة وأرض اللواء وغيرها».

ولا يتوقف الأمر عند مجرد عرض الفيديوهات بل يطرحون موضوعات للنقاش ويجرون استفتاءات عن أهم الإيجابيات والسلبيات من المبادرة، حسب شكشوك. مشيرا إلى أن اهتمامهم بالمشروع مقتصر على فصل الصيف، وسيتم وقفها بمجرد عودة الدراسة.

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإنه يوجد في مصر 1221 تجمعا عشوائيا، وفي ظل التهميش الشديد الذي تواجهه هذه المناطق، صارت موضوعا لصناع السينما، والمثال الأبرز هو فيلم «حلاوة روح»، الذي أثار ضجة كبيرة ومنع بداية من العرض بقرار حكومي، بسبب تناوله قصة طفل يغتصب البطلة.

وفي هذا السياق يقول «شكشوك» إن هذه الأفلام تعرض الصورة الحقيقية لما يحدث في هذه المناطق، ولكن الأهم هو تغيير هذا الوضع وليس مجرد تناوله.

وعن أهم التحديات التي تواجه المبادرة، يؤكد «شكشكوك» أنهم في صراع مع وزارة الشباب والرياضة لأخذ تصاريح رسمية، ويأسف على «البيروقراطية المصرية التي لا تتغير». ويقول بأسف: «لولا المعرفة الشخصية، لما تمكنا من عرض هذه الأفلام».

وأبدى أسامة عبده، الناشط في العمل التطوعي، إعجابه الشديد بفكرة الحملة، في حواره مع «DW عربية»، ويقول: «المبادرة تسعى إلى تغيير منظومة القيم في المناطق العشوائية»، مؤكدا أن الحملة أثرت على الكثيرين خاصة وأنهم ذهبوا إلى عشر مناطق، ولكنه أشار إلى صعوبة أن يحقق عمل واحد فردي إنجازا كبيرا، وأشار أيضًا إلى أن أي تغيير حقيقي يبدأ من الفكرة، لأنه بغياب الفكرة سيكون التغيير عشوائيا.

وأكد أحمد خلاف، طالب في كلية الهندسة، أنه حضر عروض المبادرة مرتين. ويروي لـ«DW عربية» انطباعاته قائلا: «الأطفال طرحوا موضوعات للنقاش حول بعض الأمور التي لا يفهمونها»، ويضيف: «حاول أعضاء الحملة تصحيح مفاهيم خاطئة للأطفال بحضور أهاليهم، الذين كانوا سعداء بهذا التغيير الإيجابي»، ويتابع: «بعض الأطفال حاولوا التشويش على ذويهم ولكن الأهالي أعادوهم إلى الهدوء»، كما يأسف على عدم امتلاك المبادرة إمكانيات أكبر، خاصة وأنهم يساعدون على استعادة قيم اندثرت في المجتمع المصري بسبب مفاهيم خاطئة.

من جهة ثلنية، اعتبر جمال زايدة، كاتب صحفي في الأهرام، أمين عام مؤسسة نون للثقافة والفنون، في حوار مع «DW عربية»، أن هذه المبادرة جيدة كون الشباب يخوضون تجربة بالغة الأهمية، ويقول: «العشوائيات تجمع خاص لجماعات التطرف والإرهاب نتيجة لانخفاض مستوى المعيشة والضغوط الحضارية»، ويضيف: «وبالتالي من السهل الانجذاب للجماعات المتطرفة»، مؤكدًا أن مثل هذه الأنشطة توجه نظر سكان العشوائيات وشبابهم للإنتاج السينمائي سواء المحلي أو الدولي، مما قد يفتح الباب أمام ثقافات أخرى أكثر انفتاحا، وتابع: «العشوائيات تخلو من الخدمات الرئيسية مثل السينما، وتركيزهم منصب على المقاهي التي تعرض أفلاما رديئة تركز على العنف والجنس وعلى قضايا لا تحمل قيما إنسانية رفيعة».

ويشير «زايدة» إلى المشكلات العامة التي تواجهها المهرجانات الثقافية في مصر وأهمها مشكلة التمويل وعدم تشجيع الدولة لها، وتضييق الخناق على الأنشطة الثقافية. ويأسف على تقصير الدولة في عدم استعادة قوتها الناعمة، خاصة وأن مصر كانت الرائدة في الأدب والفن والسينما في المنطقة العربية. ويشدد على أن «هذه المبادرة تأتي في الوقت المناسب لدفع مصر نحو استعادة القوة الناعمة».

ويشير الكاتب الصحفي في الأهرام إلى تجارب فنون الشارع العالمية، خاصة كندا حيث كان زايدة مراسلا فيها لسنوات طويلة، ومدى الاهتمام الشعبي والحكومي بمثل هذه المبادرات. واستدل بفاعلية مونتريال لمهرجان موسيقى الجاز الدولي، الذي يعرض في الشارع بدعم من جميع الأطراف، داعيا إلى الاستفادة من مثل هذه الفنون في مصر.