فى مطار دمشق، وتحديدا فى نهاية واحد من مسارات منطقة الجوازات، تجد يافطة كبيرة كُتبت عليها هذه العبارة: (السوريون والعرب)،
وذلك لكى ينتظم العرب الوافدون جميعا فى هذا المسار الموحد، بينما المسارات الأخرى تخص الأجانب، وهم بالتالى كل من هو ليس عربيا، تنتبه كثيرا إلى هذا الأمر اللافت، وحينما تذكره الآن تمصمص شفتيك بتعجب واستغراب، إذ تذكر أن سوريا وحدها تم تعليق عضويتها فى الجامعة العربية، فكأنها المطرود الوحيد من بيت العروبة.
فى المقابل، تتابع نشرات الأخبار، وتجد مذيع الجزيرة يقرأ عليك بحماس بيانا قطريا رسميا يتحفظ فيه النظام القطرى تماما على البيان الصادر من الجامعة العربية، والذى تستنكر فيه الجامعة وتدين الاعتداءات التركية المتواصلة على الأراضى العراقية والقصف الجوى المتوالى لكردستان العراق، وتعلق قطر قائلة: «إن بيان الجامعة لم يتم التشاور حوله مع الدول الأعضاء»، كما أنها تؤيد وتساند تماما الحكومة التركية فى كل إجراءاتها العسكرية، للحفاظ على سلامة أراضيها وأمنها القومى، الغريب أن قطر نفسها- وربما فى نفس النشرة- لا توافق الحكومة المصرية فى إجراءاتها للحفاظ على أمنها القومى وسلامة أراضيها، ذلك رغم أن هذه الإجراءات تمت داخل الحدود المصرية فى سيناء الحبيبة أو فى ميدان المستشار هشام بركات بمدينة نصر، وللغرابة، فإن مصر وجهت الدعوة لقطر لحضور احتفالات قناة السويس، بينما لم تدعُ سوريا للاحتفال.
من قبل حاول البعض أن يعطى مقعد سوريا فى الجامعة إلى المعارضة، التى لا نعرف لها رأسا من قدم ولا نعرف فيها عدوا من صديق، تلك المعارضة التى أرادت فى بداية الطريق أن تختصر مسافات جهادها المزعوم وتحمل، بل ترجو حزب الناتو أن يقذف جيش بلادها بالقنابل والصواريخ، حتى يتسنى لها إسقاط النظام، مما أسقطها هى فى عيوننا إلى الأبد، ولدىَّ هنا أكثر من سؤال:
هل يمكن لنظام حكم أن يبقى فى ظل هذا التحدى لأكثر من نصف الكرة الأرضية لولا أنه مؤيد من قِبَل قطاع كبير من شعبه؟ ثم هب أن قوته تكمن فقط فى وحدة جيشه وإصراره على الدفاع عن النظام، أليس هذا وحده مبررا لاستمراره لحقن الدماء، مع الإقرار بأن الضرر الأكبر هو سقوط البلاد؟ ذلك لأن التى تسقط أمامنا بالفعل طوال أربع سنوات هى سوريا كلها، سوريا الحاضر والتاريخ والمستقبل وليس النظام الحالى، ثم هب أن النظام السورى سقط، تُرى ما الذى يحدث فى سوريا اليوم التالى؟ لا أظن أن أكثر السيناريوهات استغراقا فى التفاؤل تخلو من حتمية الضياع والتقسيم على غرار ليبيا أو العراق أو اليمن التعيس.
يقولون إن النظام السورى يقصف المدن والمدنيين الأبرياء بالقنابل والصواريخ، حسناً، لكن ألم تفعل تركيا نفس الشىء مع الأكراد خارج أرضها، وألم تقصف عاصفة الحزم اليمن، دفاعا عن سلامة الأمن القومى السعودى، وهل يستطيع أحد أن يقسم أو يجزم بأن المدنيين باتوا سالمين فى الحالتين التركية والسعودية، رغم أن الحالتين خارج حدودهما؟ لماذا إذن يعتبر القصف السورى جرما وغيره قانونا؟ قطر تسعى مساعى مكشوفة لتدمير الأقطار العربية تحت مسمى «الدفاع عن الحريات والديمقراطية»، وفى كل مرة نتأكد أن تدمير النظم العربية يساوى تماما تدمير الأقطار العربية، قطر تفعل ذلك، ثم تخرج لسانها كل يوم للأمة المسكينة، لأنها تظل عضوا فاعلا وحاضرا ومستمرا فى الجامعة، بينما سوريا التى تآمروا عليها أصبحت مطرودة من الجامعة.
عفوا خادم الحرمين وعفوا الرئيس السيسى وعفوا كل القادة العرب، قطر ينبغى أن ترحل فورا عن الجامعة، وسوريا ينبغى أن تعود فورا إلى أحضان الجامعة، وليعلم الجميع أن للأوطان حقوقا متعددة ومتعدية، وأول هذه الحقوق هو البقاء والحياة والاستمرار، وأى هدف آخر يتوارى ويتخلف أمام هذا الهدف الكبير، ولو كان ذلك المزعوم هو الديمقراطية والليبرالية والشرعية أو حتى الحرية.