الحياة تجد مخرجاً

أيمن الجندي الثلاثاء 18-08-2015 21:30

وقائع هذه القصة الحقيقية أضعها تحت أنظاركم. هى الآن سيدة فى أواخر الخمسينيات من العمر. ولكن ما مرّ بها يستحق التأمل.

فى السبعينيات كانت مجرد فتاة مليئة بالنضارة والحيوية. تستقبل الحياة بالدهشة. وتود أن تفض بكارة الكون، وترتشف الرحيق العذب المختزن فى الثمرة السماوية.

كانت منفتحة على الحياة تماما. بمعيار مجتمعها كانت فتاة جريئة متحررة. وبمعيار الحقيقة كانت فتاة حالمة تؤمن أن حياتها فرصة يجب أن تستغلها على النحو الأكمل. تريد أن تجرب كل شىء وتعانق الكون وتؤمن بالأخوة الإنسانية.

أحبت؟ بالطبع أحبت شابا يكبرها بأعوام. كانت تعتبره مُعلّمها وقدوتها. كانت رياح الانفتاح الجارفة لم تبدد بعد أفكار الستينيات التى غيرت العالم. الحرية والمساواة وحق الإنسان فى تحديد مصيره وتيارات الوجودية والاشتراكية وتمرد الشباب على جيل آبائهم. وحتى انتقاد ما هو موروث ويبلغ حد الإيمان فى قلوب الكبار. كل ذلك كان يحدثها عنه وتصغى إليه مبهورة.

لاحظ أن المرأة فى أشد أحوالها تحررا لا تستغنى عن الرجل. وكأنها لا تقوى أن تصعد عتبات الحقيقة منفردة. لكن حبيبها/ مُعلّمها/ ملهمها كان قد غادر المدينة للعمل، على وعد أن يلتئم شملهما قريبا.

مجتمع السبعينيات لم يكن يحتمل فكرة الفتاة المتحررة المتواصلة مع الشباب وأن تظل مع ذلك بريئة! من ضمن أصدقائها طالب فاشل لم يتمكن من إنهاء دراسته الجامعية، يشرب الخمر، يتعاطى المخدرات، يعرف العالم السفلى للمدينة، ولكنه -يا للعجب- كان رقيقا معها كبستانى يتعامل مع زهرة رقيقة! هو نفسه نصحها أن تبتعد عنه لأن تواصلها معه سيسىء إلى سمعتها. لكنها رفضت أن تنصاع لاعتبارات المجتمع، لقد اكتشفت الإنسان فيه ثم إنها لم تصنع إثما.

لم تدر المسكينة أن سمعتها كانت على كل لسان فى المدينة! لم تدرِ أن حبيبها عاد وأصغى إلى الوشايات الكاذبة! لم تدر أنه صدقها!، أنه حين واعدها كان يبيت لها أمرا. وفجأة، وبدون رحمة، وجدت حبيبها/ معلّمها/ ملهمها يغتصبها كوحش دون أن يبالى بفزعها. دون أن يلقى بالاً لدهشتها ورعبها! ليكتشف -ويا لهول الاكتشاف- أنها عذراء وبريئة من كل ما وصموها به.

لملمت ملابسها وقد أقام دمها المسفوح حاجزا بينهما إلى الأبد. الغريب أنها لم تخبر أحدا، ولم تحاول أن تجعله يدفع ثمن جريمته. هذه من أسرار النساء الغامضة! وربما هو الخوف الموروث المستكن فى نفوسهن من الفضيحة.

جاءها فى اليوم التالى منكس الرأس حريصا أن يتحاشى عينيها. وتوسل إليها أن تقبل الزواج به. لكنها رفضته فى إصرار كأنه بصقة. وكلما أمعن فى التوسل ازدادت نفورا منه. هى لا تتزوج الأوغاد أبدا.

طيلة الأعوام التالية تقدم لها عشرات المرات وهى تعلنه أنها لن تتزوجه حتى لو كان آخر رجل فى العالم. وصممت أنها إذا أحبت فى يوم من الأيام فسوف تخبره بالحقيقة. يقبل أو يرفض! هذه ليست مشكلتها! هى ضحية وليست جانية.

بقى أن أخبركم بنهاية القصة. أو قل خاتمة هذا الفصل من حياتها لأن قصة الإنسان لا تنتهى حتى بموته. المهم أنها تزوجت. المهم أن الحياة أثبتت لنا للمرة الألف أنها دائما تجد مخرجا. وأن ما يظنه الإنسان فى لحظة يأس أنه نهاية الحياة، يتبين بعدها أنه البداية! وإذا أُغلق باب فثمة أبواب، وإذا غربت شمس فحتما ستشرق شموس عديدة.