ليلة استثنائية

أيمن الجندي الثلاثاء 18-08-2015 12:55

تلقيت من المهندس «طارق الصيفى» هذه الرسالة الرائقة:

«كانت ليلة تبدو رتيبة عادية في أولها واستسلمت للنوم ونمت في لحظة. حتى شعرت ببرد شديد فجأة فاستيقظت وجلست على طرف الفراش زاهدا في النوم. لا أعرف كم نمت ولم أهتم.

قمت وذهبت إلى المطبخ. ولأول مرة في حياتى أشعر برغبة ملحقة لشرب القهوة في منتصف الليل. وأعددت كوبا من القهوة بحرفية زائدة. وظللت أبحث عن كوب معين أصفر اللون لم أره منذ فترة حتى وجدته وسكبت فيه قهوتى. وأخذت كوب القهوة وذهبت إلى غرفتى، وجلست على طرف السرير في ظلام لا يتخلله إلا شعاع خافت يدخل من وراء ستار نافذة غرفتى المغلقة.

كنت مستيقظا وهادئا ومن حولى صمت غريب لا أذكر حدوثه من قبل، وتنبهت أننى حتى لا أسمع صوت أفكارى! كل ما يحدث أننى أجلس في راحة وهدوء أستمتع بالبرد وبرائحة القهوة الرائعة، وأشعر بأنس وألفة كما لو كنت وسط أحبابى.

بدأت أحاول التفكير ولم أستطع! شعرت أننى عاجز عن التفكير في أي شىء، أو حتى تذكر أي شيء، ولم أجتهد في ذلك طويلا، فلماذا أضيّع هذا الشعور الغريب والفريد من الراحة؟ فلأكتف بالصمت والسكون لأول مرة في حياتى، ولأستمتع بجلوسى- ويا للغرابة- مع نفسى!

نفسى! نعم أنا أجلس مع نفسى الآن التي لا أذكر أننى من قبل جلست معها.

بدأ عقلى يدور مرة أخرى ببطء، وفكرت بهدوء في حياتى، وشعرت بأننى في ارتياح كما لو كنت أسمع موسيقى خافتة حالمة، وأعيش لحظة صفاء تسامح غريبة لم أعتدها أو أشعر بها.

بدأت أشعر بحوار صامت يدور داخل عقلى. وبدأت أتذكر أحداثا وأشخاصا لم أتذكرهم منذ الطفولة. نتحدث ونتعاتب ونتذكر! بدأت أسمع عتابا وشكوى داخل عقلى، وشعرت لأول مرة بالمعنى الحرفى لـ «حديث النفس»، فتكلمت بدون كلام وشكوت وشرحت وحكيت! وبدأت أرى الأحداث كأننى أعيش فيها! وأسمع الأصوات وكأنها تدور من حولى. ثم بدأت أسمع إطراء وتشجيعا، وتجسدت مواقف وذكريات سعيدة فابتسمت. ثم أغمضت عينىّ في الظلام وعاودت الابتسام في سعادة.

ازداد الجو برودة ولكننى كنت مستمتعا بالبرد والصحبة بلا صاحب، وحديث الذكريات وحتى مناقشة المشكلات الحالية! كلها أضافت متعة وجمالا على ما حولى.

ارتحت. لا أعرف كيف ولا لماذا! وفهمت بعضا مما مرّ بى في حياتى. وبصورة ما شعرت أن كل شر أصابنى في حياتى كان بسببى وبسبب تصرفاتى وتفكيرى في وقتها. غريبة هي الثقة التي أقتنع بها الآن أننى المسؤول عن كل تعاسة أصابتنى.

شعرت بالبرد مرة أخرى مع الصمت المفاجئ، الذي حدث مرة أخرى داخل عقلى كمحرك سيارة توقفت فجأة عن الدوران. وتذكرت القهوة في يدى وتناولت رشفة فإذا بلسعة شديدة في لسانى من فرط سخونتها استيقظت على أثرها من النوم.

يا الله! يا له من حلم طويل أذكره بكل تفاصيله! أنا الذي لا أذكر أحلامى أبدا.

استسلمت للنوم مرة أخرى بعد أن استعذت بالله من الشيطان الرجيم حتى استيقظت في الصباح وفتحت نافذة الغرفة، وبدأت الاستعدادات للخروج والذهاب لعملى. وفجأة أثناء خروجى نظرت بجوار الفراش لأجد الكوب الأصفر! اقتربت بدهشة ونظرت بهدوء فوجدت آثار القهوة بداخله.

aymanguindy@yahoo.com