كم عكاشة يمكن لشرعية الحكم أن تحتمل؟

عزت القمحاوي الإثنين 17-08-2015 21:04

كان بوسعنا استقبال حكاية توفيق عكاشة ومطلقته بوصفها فاصلاً كوميديًا صالحًا للترطيب على القلوب فى زمهرير أغسطس القاتل، لولا أن الأمر يتعلق بالحالة القانونية فى الدولة وشرعية الحكم.

الرجل الشهير كالنار على رأس جبل دخل السجن تنفيذًا لحكم بالسب والقذف صدر لصالح مطلقته، بينما أشارت النيابة إلى وجود أحكام سابقة بحقه فى قضايا تبديد منقولات ونفقة للمطلقة. ولا غرابة فى أن يمتنع رجل شهير عن دفع نفقة ابنه، فبعض النار من شجر العود (البخور) وبعضها من عشب فساء الكلاب.

الأسوأ من امتناعه عن النفقة هو استخدامه منصته الإعلامية للتشهير بمطلقته وزميلته السابقة، واستخدام السيدة للمنصات الأخرى للتشهير به. وهذا عار وشنار إعلامى يمكن التغاضى عنه مؤقتًا واعتباره نوعًا من الكوميديا لأن الدنيا نار، ومثلها أسعار الآيس كريم والمرطبات.

ولكن!

على مسافة من هذه الكوميديا، تقاطعت القضية مع هيبة الدولة وشرعية الحكم بطريقة درامية تدعو إلى الخوف.

رفيقة السباب فى قناته الخاصة خاضت حربها المقدسة دفاعًا عنه، مؤكدة أن القبض عليه تم بسبب توجيهه انتقادات لوزير الداخلية، ومثلها قالت أنثاه السابقة التى أبدت استغرابها من تحرك الداخلية لتنفيذ الحكم الأخير بينما تقاعست عن الأحكام السابقة.

وطالما كان الأمر كذلك، فلا القانون ولا الداخلية كافيان للقصاص لها ولطفلها؛ فناشدت الرئيس أن يزورها، ليصافح ابنها يوسف، ويرفع عنه الإهانة. لكن هذا لم يكن فقط كل ما نال المقام الرئاسى، إذ تفتق ذهن أحد المواقع الإلكترونية عن عنوان لوذعى: «لماذا غدر السيسى بعكاشة فى ذكرى فض رابعة».

اختلط الحابل بالنابل مع الصائد بالمتفجرات. وتحرك اثنان من العُتُلات: مرتضى منصور ومصطفى بكرى وقابلا وزير الداخلية لطلب الإفراج الصحى عن عكاشة.

وكان أمام الوزير سببان لرفض المقابلة: أولهما البعد عن الشبهات والحفاظ على هيبة الدولة، طالما خاضت الأطراف فى سمعة الداخلية ونالت من نزاهتها، والسبب الثانى المنطقى هو أن وزير الداخلية لا يستطيع أن يتفرغ لقضايا الطلاق والخلع التى تتجاوز المائة وخمسين ألفًا سنويًا.

لكن لا الاحتياط السياسى نفع ولا الاحتياط المهنى، واستقبل الوزير ضيفيه. وبعد اللقاء صرح مصطفى بكرى بأن المقابلة التى استمرت ساعتين انتهت بتفهم الوزير لحالة عكاشة الذى يعانى الضغط والسكر، ووعد بتشكيل لجنة طبية لبحث حالته.

ولا يحتاج المشاهد العادى لكثير من الذكاء لكى يعرف أن الرجل يعانى من الداءين وأكثر؛ فدمه «اللى زى العسل» يؤكد أنه يعانى من السكر، والعصبية التى يُمثل بها دور العمدة سليمان غانم فلا تنم إلا عن ضغط الدم أو عسر الهضم.

لكن ظهور العُتُلين معًا، يشير إلى دائرية الزمن، حيث لا جديد تحت الشمس، وأما حصولهما على موعد فلقاء فى نفس اليوم مع وزير الداخلية فأمر يجب أن تُقرع له الأجراس، فرجل الدولة يستقبل الرجل العُتُل عندما يكون الموضوع عُتُلاً والتوقيت ملائمًا، لكن لا الموضوع يستحق، ولا التوقيت الملتهب بالحر والإرهاب يبرر اللقاء.

كم محكومًا فى نفقة سيحظى بساعتين من يوم الوزير المسؤول عن أمن مصر، وما الذى يمكن أن يتبقى من وقت الوزير إذا استقبل كل يوم مظلمة نفقة من بين متوسط 150 ألفًا فى العام؟!

والأهم: كم حكمًا قضائيًا يمكن الالتفاف عليه دون أن تتقوض الثقة بالقانون، وكم عكاشة يمكن أن يتحمل شرعية الحكم؟!