«فاروق» ظالماً ومظلوماً (2)

صلاح منتصر الإثنين 17-08-2015 21:05

كراهية «فاروق» لـ«النحاس» غيّرت التاريخ

تحكمت فى الملك فاروق، الذى حكم مصر ١٥ سنة، مجموعة من العُقد التى أثرت ليس فى نهاية حكمه وحكم أسرة محمد على، وإنما فى تاريخ مصر، بل والمنطقة. وأولى هذه العقد منذ توليه كراهيته لمصطفى النحاس باشا، رئيس حزب الوفد، صاحب الشعبية الجارفة، سواء التى ورثها عن زعيم الوفد ومؤسسه سعد زغلول باشا، أو عن شخصية النحاس ونزاهته. إلا أن فاروق رغم هذه الشعبية ظل طوال فترة ملكه يشعر بأنه لا يطيق تحمل الوفد فى الحكم، ولا معرفة الراحة والوفد خارج الحكم، مع الاعتذار للأستاذ الكبير محمد التابعى فى وصفه الفنانة أسمهان بقوله: «لم تكن تطيق الكأس فارغة أو مليئة».

وقد بدأت عقدة فاروق من النحاس باشا مبكرا جدا، منذ عام ١٩٣٦، من قبل أن يباشر سلطاته الدستورية، وكان موجودا يومها فى باريس عندما ذهب النحاس إلى لندن لتوقيع معاهدة ١٩٣٦، التى كانت خطوة على طريق تحقيق جلاء الإنجليز عن مصر، ولكن بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية تعطل تنفيذ المعاهدة. فى ذلك الوقت، كما حكى فاروق نفسه فيما بعد لواحد من أقرب الذين التصقوا به، وهو «كريم ثابت»، فإنه فوجئ بأن النحاس لم يفكر فى المجىء إلى باريس «وهى فركة كعب من لندن» ليحكى لفاروق، الذى كان سيجلس على عرش مصر بعد شهور، عن المعاهدة التى وقّعها باسم مصر وماذا تعنى. واحتاج الأمر أن يقوم أحد المخلصين بتنبيه النحاس إلى هذه الملاحظة، وبالفعل سافر النحاس من لندن إلى باريس، لكنه- كما حكى فاروق- ذهب متأخراً ساعة كاملة عن الموعد المحدد. وقال فاروق لمن كان يحكى له معلقاً: «وهل كان يجرؤ أن يفعل ذلك لو كان الموعد مع أبى الملك فؤاد؟»

كانت المشكلة هى صغر سن فاروق، وهو من مواليد ١١ فبراير ١٩٢٠، وتولى سلطاته فى سن الثامنة عشرة بالتقويم الهجرى لا الميلادى، وأن عدداً من الكبار الذين تعاملوا معه نظروا إليه من خلال سنه باعتباره صغيرا، أو بحسب الوصف الجارى «عيل»، وإن كان ملكا.

وقد حدث فى عام 1937 أن قال النحاس باشا لفاروق بعفويته الطيبة: «أرجو من جلالتك أن تعتبرنى مثل والدك!»، ومع أن النحاس قال الجملة بقصد سليم، إلا أنها كانت مثل خنجر تلقاه فاروق من النحاس ترجمها إلى ما معناه أنه مازال طفلا يقول للنحاس يا بابا، مما كانت نتيجته تباعد فاروق نفسياً منذ توليه عن النحاس، وإلى حد الكراهية له ولحزبه رغم الشعبية الكبيرة لهما.

وساعد على ذلك أن وجد فاروق من بين رجال القصر والسياسة من أيده فى كراهية الوفد، وشجعه على مخالفة الدستور والاستهانة بالنتيجة التى تأتى بها الانتخابات البرلمانية، والتى كانت دوما لصالح الوفد، والإطاحة وقت أن يشاء بمن يريد من الساسة، مما كانت نتيجته عدم تمكين حزب الوفد من استكمال مدته التى ينص عليها الدستور فى الحكم باعتباره صاحب الغالبية فى كل انتخابات تجرى. وفى خلال 28 سنة لم يجلس حزب الوفد فى الحكم سوى سبع سنوات، رغم أنه كان الفائز باكتساح فى كل انتخابات برلمانية، باستثناء مرة واحدة زُورت فيها النتيجة علنا وتم إسقاط الوفد!

وقد كان تعليم فاروق فى حد ذاته مشكلة، فقد أصر الإنجليز على تعليمه فى إنجلترا، ولكن بسبب صغر سنه لم يستطع فاروق دخول الكلية العسكرية التى اختاروها له، وكل الذى أمكن أنهم اعتبروه منتسباً لها، يبيت فى الخارج ليلا ويتلقى الدروس نهارا، مما ساعد فى كلمة واحدة على «بوظانه»، خاصة أن أباه فؤاد أحاطه بالفريق عزيز المصرى، وهو شخصية عسكرية جادة، وأحمد حسنين، وهو عكس عزيز المصرى، وساعد فاروق كثيرا فى تمضية وقته فى إنجلترا فى السهرات، مما جعل عزيز المصرى يشعر باليأس من متابعة فاروق. وكانت النتيجة أن فاروق لم يتعلم العسكرية ولا ضرورات الثقافة اللازمة لملك، وإن كان يجيد الكلام بالعربية العامية- دون الفصحى- على عكس أبيه الذى لم يكن يعرف العامية أو الفصحى.

وهكذا بين صغر السن الذى بدأ فاروق أسيرا له، والتعليم المحدود الذى تعلم معظمه من خدم القصر، راح فاروق يغطى نقائصه فى مجالسه مع الكبار بادعاء معرفته مسبقا بكل حكاية أو معلومة يقولها أحد الحاضرين، ثم يواصل استماعه إليها، وعندما أصابه الصلع فى سن مبكرة سعد فاروق بذلك على أساس أن الصلع لا يصيب إلا كبار السن، وبالتالى فقد أصبح بذلك يبدو كبيرا.

ولو كانت علاقة فاروق بالنحاس باشا قد سادها التفاهم ولم تشعلها نيران الكراهية التى ملأت قلب فاروق من زعيم الوفد، لتغير تاريخ فاروق نفسه وتاريخ مصر، ولسهلت بالتأكيد عُقد أخرى أصابت فاروق وحكمه، وجعلته يظلمنا وأيضاً نظلمه.

salahmont@ahram.org.eg