بالنسبة للإخوان المسلمين، فإن ذكرى أحداث تقاطع رابعة العدوية بمدينة نصر، في 14 أغسطس 2013، كانت ولاتزال محاولة أخرى لبعث «مظلومية» تاريخية تضيف «عمى» آخر لرؤية الإخوان لمصر وللعالم أيضا. وبالنسبة للأغلبية الساحقة من الشعب المصرى، فإن الذكرى تصير التخلص من لعنة الإخوان ومعها بقية التيارات التي أرادت تحويل مصر إلى فاشية دينية لا رد فيها لقضاء أو قدر. بداية اليوم كانت بالنسبة للإخوان اعتبارا من 21 يونيو 2013 عندما قرروا- ومعهم جماعات وأحزاب سلفية وإرهابية- إعلان حالة التعبئة العامة واحتلال الميادين، وإذاعة التهديد بأن تغييرا في الحكم سوف يعنى «حمام دم»، وهو تعبير أذاعه الإخوان منذ ثورة يناير 2011، للتأكيد على أن إزاحتهم سوف تكون نتيجتها هدم المعبدعلى الجميع. البداية كانت بالنسبة للشعب المصرى مع يوم 26 يوليو 2013 عندما طلب الرئيس السيسى- وزير الدفاع آنذاك- تفويضاً من الشعب لكى يفض الاعتصام الذي أقامه الإخوان وحلفاؤهم متمركزا فيما عُرف بميدانى «رابعة» و«النهضة» أمام جامعة القاهرة.
يومها، خرج من المصريين إلى الشوارع والميادين- وهو ما لم يحدث في تاريخهم، وربما في تاريخ شعوب أخرى- مَن كانوا أكثر عددا وتصميما من هؤلاء الملايين التي خرجت سواء في يناير 2011 أو 30 يونيو 2013. ومن الغريب أن هذا اليوم من الخروج العظيم للشعب المصرى لم يسجل كثيرا في الذاكرة، رغم خصوصيته الشديدة، لأنه لم يكن إطاحة بحاكم- 30 يونيو 2013- أو وضع خريطة طريق نظام جديد- 3 يوليو 2013- وإنما كان إعلانا جامعا مانعا برفض الإخوان والدولة الدينية من ورائهم.
كان سلوك الإخوان في ذلك اليوم من أغسطس سقوطا لأسطورة حاولوا الترويج لها سرا وعلانية، وهى أنهم- بما لهم من تنظيم، وما لديهم من أموال، وما تصوروه من تصميم، وما حازوه من سلاح، وما تخيلوه من تأييد شعبى- يمثلون وحشا خرافيا ترتعد أمامه القلوب، وترتج العقول، وتنهار شجاعة الرجال. وهى أسطورة وضعوها موضع التطبيق عندما ظهروا في ميدان التحرير في 28 يناير 2011، حينما صاحب عملية الظهور إحراق مقار الشرطة، ومجامع المحاكم والنيابة العامة، ومؤسسات الحزب الوطنى. ومن وقتها كان الحرص على إظهار العضلات مع كل مناسبة تصوروا أن فيها مقاومة من قِبَل المجلس العسكرى أو الشباب الذين ظلوا يعتقدون أنهم لايزالون قادة الثورة. وسواء كان الموقف يتعلق بالدستور، أو بالمحكمة الدستورية العليا، أو جمعة «قندهار»، فإن الجماعة كانت حريصة على أن يرى الجميع أنيابها من أول الضغط لإخراج جميع الإرهابيين من السجون، حتى وصول محمد مرسى إلى مقعد الرئاسة. وفى صباح إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، خرج الإخوان يحملون أكفانهم أمام عدسات التليفزيون، للتأكيد على أن الاختيار أمام المصريين لم يكن اختياراً على الإطلاق: إما حكم الإخوان أو حمام الدم والقتل، وأن تكون مصر سوريا أخرى.
انتهى اليوم بعد 55 يوما من الاعتصام قبل أن تغرب الشمس، وسقطت دولة الإخوان إلى غير رجعة. عشنا بعدها شهوراً من حظر التجول، والإرهاب المباشر، ولكن رد الشعب المصرى كان الالتفاف حول جيش الشعب، وأن تعيش الدولة كلها حياتها الطبيعية وتبدأ عهدا جديدا يحلم الجميع بأن يكون أفضل من كل ما سبق. ولكن معركة «رابعة» لم تنته، فقد ظلت آلة الإعلام الإخوانى والغربى الجهنمية تنفخ فيها، حتى ذاع القول إن يوم «رابعة» كان الأبشع منذ دخول الجيش الصينى إلى ميدان السلام السماوى في بكين عام 1989. الغريب في الأمر أن كل الحقائق كادت تغيب، فلم يُبالِ أحد بأن الإخوان بدأوا الحشد في 21 يونيو، وأن 55 يوما من التحذير قابلها المعتصمون بالتهديد والوعيد، ولا أن الاعتصام لم يكن اعتصاما، وإنما حالة من التحرك لشل عاصمة البلاد بقطع الطرق ومهاجمة المؤسسات العامة بالسلاح. المدهش أن أهم التقارير التي كُتبت حول الموضوع وكتبها الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض لم ينشرها أحد، ولم يترجمها طرف، ولم يُذع الحقائق التي حصل عليها إعلام ولا دارسون. أصبحت هناك رواية واحدة ليوم خلاص من الشر، فصار مذبحة للإخوان الذين لم يحاولوا للحظة واحدة أن يغطوا الوحش الشرير داخلهم، فأذاعها على كل الدنيا من منصة الميدان. لم يحدث في تاريخ الأحداث الدامية أن كان الكذب والتضليل على هذه الصورة!