السيسى والدور الذى يبحث عمن يقوم به!

سعد الدين ابراهيم الجمعة 14-08-2015 21:17

منذ مائة عام كتب المسرحى الإيطالى، لويجى بيرانديلو، عملاً، بعنوان ست شخصيات تبحث عن مؤلف. وقد تأثر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كثيراً بذلك العمل، وأشار إليه فى كتاب فلسفة الثورة، الذى نشره عام 1954. وأوحى لقُرّاء فلسفة الثورة، والذين كانوا أساساً من المصريين والعرب أن الدور الباحث عمن يتقمصه ويقوم به، هو دور إقليمى لأحد أقطار المنظمة، الذى يقوم بتوحيدها وتحديثها، حتى تستطيع تلك الأمة أن تتبوأ مكاناً مرموقاً بين الأمم.

وسواء استشهد عبدالناصر بهذه الرواية الإيطالية لبيرانديلو ليقصد بها مصر، أو يقصد بها نفسه، فقد أدت أحداث عقد الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين بعبدالناصر وبمصر أن يقوما بهذا الدور.

وتذكيراً للأجيال الجديدة التى ولدت وشبّت عن الطوق بعد هذين العقدين، فقد كان جمال عبدالناصر هو بطل تلك الحقبة، بلا مُنازع ـ مصرياً وعربياً وأفريقياً.

ولكن عبدالناصر كان بطلاً تراجيدياً، فقد حقق من الانتصارات بقدر ما ارتكب من أخطاء أوقعت به من الهزائم، التى مازلنا ندفع فواتيرها إلى الوقت الحاضر ـ أى بعد رحيله بخمسة وأربعين عاماً.

وعودة إلى المسرحى الإيطالى بيرانديلو والدور الذى يبحث عن بطل يقوم به.

يعتقد هذا الكاتب أن منطقة الشرق الأوسط، وفى القلب منه، الوطن العربى، هى فى أمسّ الحاجة إلى من يضمد جراحها المفتوحة، فى اليمن، وسوريا، والعِراق، وليبيا. وليس هناك من هو قادر على ذلك فى الوقت الحاضر، غير مصر، ورئيسها عبدالفتاح السيسى.

مصر هى الأكثر قبولاً من معظم الأشقاء العرب، لأنها الأكبر حجماً وقدراً، ولأن دولتها هى الأقدم والأرسخ، وهى مقر جامعة الدول العربية، ولأن دبلوماسيتها هى الأعقل، ولأن جيشها هو الأقوى فى المنطقة. ولهذه الاعتبارات فإن عليها مسؤولية قومية.

وحينما نقول مسؤولية «قومية»، فإن المقصود مسؤولية نحو الأمة العربية، وذلك تمييزاً عن المسؤولية الوطنية، التى تعنى مسؤولية مصرية نحو الوطن المصرى، برُقعته التى تمتد من رفح شرقاً إلى السلوم غرباً، ومن النوبة جنوباً، إلى البحر المتوسط شمالاً، بينما الوطن العربى هو ذلك الفضاء الذى يمتد من الخليج العربى ـ الفارسى، شرقاً، إلى المحيط الأطلسى غرباً، ويعيش فيه أمة قوامها أربعمائة مليون، يتحدثون نفس اللغة، ويشتركون فى نفس الثقافة، ونفس التراث.

ولأن ثورة 25 يناير 2011، وثورة 30 يونيو 2013، كانتا ثورتين مصريتين، أى تخصان الوطن المصرى والشعب المصرى الذى يعيش على أرض ذلك الوطن، فقد كان مفهوماً، بل معقولاً ومقبولاً أن ينصرف الذين قاموا بالثورة، أو الذين اختطفوها، وأن تكون أولوياتهم وتركيزهم على الوطن المصرى، ومطالب الشعب المصرى.

ومع ذلك اكتشفنا مُبكراً، أننا فى مصر لا يمكن أن ننعزل عن دول الجوار العربية. فقد تعرضت مصر بعد سنتين من ثورة يناير 2011 لعدوان من قوى مُنفلتة فى الجارة ليبيا. ورغم ضبط النفس الذى مارسته القيادة السياسية، إلا أن تلك السلوكيات العدوانية قد استمرت، للدرجة التى بدأت فيها قوى شعبية ووسائل إعلام مصرية تضغط على القيادة لاتخاذ موقف حازم لحماية المصريين العاملين فى ليبيا. وهو ما استجابت له القيادة المصرية فى نهاية المطاف. وحدث شىء مُشابه فى صحراء سيناء، من فلول إخوانية، يُقال إن حكومة حماس فى غزة تدعمها.

وحينما تعرضت الحكومة الشرعية اليمنية المُنتخبة لتمرد جماعة الحوثيين، وزحفها من المُرتفعات الشمالية والاستيلاء على العاصمة صنعاء، بل التحرش بالجارة السعودية، وجدت مصر نفسها مرة أخرى مُطالبة من المدنيين اليمنيين ومن الشقيقة السعودية بضرورة دعم النظام الشرعى للرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى، فلبّت النداء، وإن جزئياً، وبحذر شديد، تاركة للمملكة العربية السعودية زمام المُبادرة، بوصفها الجارة الأقرب لليمن، ولكونها الدولة المحورية فى بُلدان مجلس التعاون الخليجى.

وخُلاصة القول أن مصر، حجماً وموقعاً وموضعاً، عليها دور لابد أن تلعبه نحو جيرانها، ونحو أمتها. وهى قادرة على ذلك. فعلى قيادتها، مُمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى أن تتقدم للقيام بهذا الدور. فإنها إن لم تفعل، فسيتقدم لاعبون إقليميون آخرون لملء الفراغ الاستراتيجى الذى نشأ واتسع فى أعقاب ثورات الربيع العربى. وقد رأينا كيف أن إيران قد بادرت بملء الفراغ فى العِراق وسوريا ولبنان واليمن. وأخيراً (يوليو 2015) رأينا تركيا، تحاول نفس الشىء، على الأقل فى سوريا.

فيا مصر ويا سيسى هيا، ولبيا نداء العرب والعروبة، بالتحفز وأخذ الزمام لإصلاح شؤون البيت العربى، حتى لا يفعل ذلك غير العرب، ولمصلحتهم هم وليس لمصلحة العرب. فهل من سميع؟

وعلى الله قصد السبيل.


semibrahim@gmail.com