نقلة في مجال حماية الحياة البرية يحدثها تطبيق على الهاتف المحمول

كتب: ليتا بوسيكو الخميس 13-08-2015 15:25

حالة من الغضب العام صاحبت مقتل سيسيل، الأسد الأشهر في زيمبابوي، في عملية صيد غير شرعية، تبعها هجوم حاد من مستخدمي الإنترنت على الصيادة الأمريكية سابرينا كورجاتيلي، التي قامت بقتل إحدى الزرافات خلال رحلة صيد بجنوب أإفريقيا قبل أن تلتقط صورا بجوار جثتها.

ومثلما سلطت تلك المشاعر الغاضبة الضوء من جديد على حالة الضعف التي تتسم بها الحياة البرية على ظهر هذا الكوكب، فقد أبرزت كذلك الدور القوي الذي تستطيع أن تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في مجال الحفاظ على الحياة البرية.

فباستطاعة التكنولوجيا الحديثة تحويل الجهود من فردية غير مجدية إلى جماعية تحدث فارقا. وقد تطورت حركة الحفاظ على البيئة على مدار الأعوام المائة وخمسين الماضية لتتبنى وسائل جديدة للتعامل مع البيئة والحياة البرية.

فقد خطت المنظمات العاملة في هذا المجال خطوات بارزة باتجاه إشراك الأفراد والمجتمعات بغية الحصول على عونهم في حماية النبات والحيوان عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أشكال التقدم التكنولوجي.

وفي وقت سابق من العام الجاري، نشرت مجلة ناشيونال جيوجرافيك مقالا يحدد الوسائل التكنولوجية المختلفة التي يعتمد عليها البشر في التعرف على الحياة البرية ودراستها. هذا الواقع الذي يطلق عليه البعض «العلم الجماهيري» أو «التوفير الجماهيري للمصادر» يستفيد منه العلماء والعاملون بمجال الحفاظ على البيئة في جمع معلومات بمعدلات لم يعهدوها من قبل.

تطبيق لحماية الأنواع المهددة

تطبيقات الهواتف المحمولة هي واحدة من أشكال الجهد الجماهيري لتوفير المعلومات في مجال الحفاظ على البيئة. ففي سبتمبر من العام 2014، أطلقت فريلاند Freeland، وهي منظمة مستقلة مقرها بانكوك، وتصف نفسها بأنها في مقدمة المناهضين لعمليات الاتجار في الحياة البرية، أطلقت تطبيق وايلدسكان WildScan app، وهو عبارة عن «كتالوج» يضم 340 من الأنواع المهددة بالانقراض متاح للاستخدام من قبل الحكومات والأفراد للكشف عن عمليات الاتجار في الحياة البرية داخل وخارج الحدود.

وقد أتاحت فريلاند التطبيق مجانا من Google Play للهواتف التي تعمل بنظام آندرويد.

وتعاونت فريلاند مع عدة منظمات لإصدار التطبيق، منها شبكة تنفيذ قوانين الحياة البرية التابعة لرابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN-WEN)، كبرى شبكات إنفاذ قوانين الحياة البرية في العالم، والمكونة من عشر دول من منطقة جنوب شرق آسيا. وتهدف الشبكة لمشاركة المعلومات في مجال مكافحة أنشطة تهريب أشكال الحياة البرية.

وقام مستخدمون في أكثر من عشرين دولة بتنزيل التطبيق من شبكة الإنترنت حتى وقتنا هذا، منها تايلاند، وفيتنام، والولايات المتحدة، وفرنسا، والدنمارك. ويتوفر التطبيق حاليا بلغات الإنجليزية، والتايلاندية، والفيتنامية، مع وجود خطط لإضافة ثلاث أو أربع لغات جديدة بنهاية عام 2015 والتوسع في استخدامه بشكل أكبر في 2016.

وبالرغم من نشأة التطبيق في تايلاند إلا أنه لا يتناول الحياة البرية في تلك المنطقة وحسب، كما قد يتبادر إلى ذهن البعض.

إيجبت إندبندنت، الموقع الإنجليزي لـ«المصري اليوم»، التقى ماثيو بريتشيت، نائب مدير التواصل بمنظمة فريلاند ومدير المشاريع بـ«وايلدسكان».

يقول برتشيت: «تابعنا أنواع الحيوانات التي تتعرض للتهريب عبر جنوب شرق آسيا، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تلك الحيوانات جاءت من هذه المنطقة».

ويتابع: «لا تسيئوا فهمي، فالحيوانات المنتمية في الأصل لجنوب شرق آسيا، مثل اللوريس البطيء، وقرد الجبون، والحيات، والسلاحف البحرية هي مسجلة في التطبيق بكل تأكيد، ولكننا تناولنا كذلك حيوانات من أمريكا الجنوبية على سبيل المثال كالببغاوات للاتجار في الطيور، أو الحيوانات القادمة من مدغشقر كالسلاحف. تلك الحيوانات يتم أيضا تهريبها عبر جنوب شرق آسيا، وعلى الأخص في المدن الكبرى كبانكوك. بالتالي، تلك الفصائل والمنتجات المستخلصة منها، كالعاج في حالة الأفيال، مدرجة في التطبيق».

وينقسم تطبيق وايلدسكان إلى خمسة أقسام تشمل مكتبة الأنواع، ودليل جهات الاتصال، وتعريف الأنواع، وتسجيل الحدث، وأخيرا قسم رفع التقارير. ويتاح للأفراد والحكومات استخدام التطبيق للتعرف على الأنواع المجهولة بالنسبة إليهم، وتصفح الفهرس لاستكشاف النباتات والحيوانات الخاضة للحماية والمهددة، عوضا عن التواصل مع المسؤولين المحليين للإبلاغ عن أنشطة الإتجار، سواء في الأسواق أو في المناطق الريفية.



ومنذ إطلاق التطبيق في سبتمبر، قام أفراد وجهات إنفاذ القانون في عديد من الدول بتنزيله أكثر من 700 مرة. وترى فريلاند أن ذلك الرقم يمثل تشجيعا لها، على الرغم من أنه قد يبدو ضئيلا للبعض، وبرغم من أن الكثيرين ممن قاموا بتنزيله هم من مسؤولي الحياة البرية المهتمين بحضور ورش العمل في هذا المجال. وبالنسبة لفريلاند، فإن الخطوة القادمة الواجب اتخاذها هي العمل على تحفيز المزيد من الأفراد للمساعدة في وقف أنشطة الاتجار في الحياة البرية من خلال استخدام التطبيق والإبلاغ عن الحالات التي يملكون معرفة خاصة بها.

ولا تتوفر إحصاءات كافية عن مدى نجاح وايلدسكان في المساهمة في جهود الحفاظ على الحياة البرية، بما أن تلك المعلومات تحتفظ بها كل حكومة على حدة. إلا أن فريلاند حصلت على بعض التعقيبات من المستخدمين.

«أذكر حالة في تايلاند حين اتصل بنا أحد حراس الغابات ليخبرنا بأنه استطاع التعرف على زهرة سحلبية قام شخص ما باقتلاعها من الغابة، ما أدى إلى القبض على ذلك الشخص»، يقول بريتشت.

وعلى الرغم من أن وايلدسكان تم تطويره لصالح حكومات اتحاد جنوب شرق آسيا وشبكة إنفاذ قوانين الحياة البرية التابعة لها، إلا أن بريتشت يوضح أن فائدته تتجاوزذلك. يقول: «أرى أنه من المهم أن نشير إلى أن وايلدسكان ليس مقصورا على سلطات إنفاذ القانون، فهو بمثابة أداة تعليمية، فنحن نستخدمه في المدارس ونعرضه على الأطفال. هو وسيلة سهلة للتعرف على الحيوانات المحمية والمهددة بالتجارة غير الشرعية». ويتابع بريتشت: «إذا ما أردت شراء حيوان غير مألوف، فسيعلمك وايلدسكان أي الحيوانات التي ينبغي عليك أن تتجنب شراءها».



ويوضح بريتشت أن بإمكان العوام استخدام التطبيق دون مقابل لإرسال التقارير لأقسام الشرطة أو أي من السلطات المعنية. «إنه لشيء ذكي أن يتمكن العامة من استخدام نفس الأدوات التي يستخدمها منفذو القوانين في وقف أنشطة الاتجار».

الحفاظ على الحياة البرية: نشاط يتناول العام قبل الدخول في التفاصيل

ويبدو أن وايلدسكان بدأ في إحداث تغيير تدريجي في نهج حركة حماية الحياة البرية، والتي لطالما اتسمت بالانغلاق وإغفال إشراك المجتمعات التي تعمل بها، مع وضع قراراتها في يد زمرة مختارة من أفرادها.
ويعود تاريخ حركة الحفاظ على البيئة إلى أوائل عام 1662، حين سلم الكاتب الإنجليزي جون إيفيلين إلى الجمعية الملكية بإنجلترا كتابه «الغابات»(Sylva). وتناول إيفلين في ذلك الكتاب أهمية الحفاظ على الأشجار في إنجلترا، والتي كان يجري استنزافها بشكل سريع من قبل مصنعي الأخشاب.
فيما نشأت بقية المؤسسات البيئية المعروفة حاليا ما بين أواخر القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين حين بدأت جهود الحفاظ على البيئة تزداد كثافة، ومنها السلام الأخضر، وجمعية أودوبون الوطنية، والصندوق العالمي للحياة البرية، والجمعية الجغرافية الوطنية.

وقبل عقود من ظهور أشكال التقدم التكنولوجي التي شهدها الكوكب، أدارت الحكومات والمنظمات البيئية أنشطة الحماية من خلال التركيز بشكل أكبر على إنقاذ البيئة، مع إغفال تأثير ذلك على المجتمعات البشرية أغلب الوقت. فكانت عادة الحكومات والمنظمات المستقلة اتباع نهج يركز على العام ثم يتحرك إلى التفاصيل، فيقومون بتقييم المشكلة في منطقة ما ومن ثم الشروع في حلها دون إشراك المجتمع المحلي. وتضمن ذلك دخول المنظمات إلى المنطقة المستهدفة وإعلام سكانها بالقوانين الجديدة، قبل أن تسن الغرامات وعقوبات السجن التي طالت من يمارس الصيد الجائر أو أنشطة الاتجارفي حق الحياة البرية.

. وتجاهل ذلك النهج الأسباب والدوافع التي تحمل المجتمعات البشرية على ممارسة القتل والتهريب في حق الحياة البرية. فثمة حيوانات يعتبرها البشر آفة يجدر التخلص منها، ومنها فهد الثلج الهندي الذي يقوم باصطياد وقتل حيوانات المزارع. كما أن هناك حيوانات أخرى يرغب فيها تجار السوق السوداء، وغالبا ما يرجع ذلك إلى استخدامها في أعمال التداوي الشعبية، ومنها وحيد القرن النيبالي الذي يعتقد أن قرنه يساعد في علاج بعض الأمراض. أما عن النباتات النادرة كالسحلبية، فهي من البضاع الشائعة لدى المهربين ويتم شراؤها إما لمجرد المتعة أو لاستنساخها في المشاتل.

ولما كان تحسين ظروف المعيشة دافعا كافيا، استمر الكثيرون في المجازفة بالوقوع تحت طائلة الغرامات والحبس من أجل إعالة أسرهم، وكانت النتيجة أن أدركت المنظمات أن الحماية الحقيقية للحياة البرية من الانقراض تتطلب منهجا أكثر تكاملا واتساقا.


حماية الحياة البرية في الوقت الحاضر
وتبذل مئات المنظمات المستقلة والهيئات الحكومية جهودا في الوقت الحالي لتغير نهجها في التعامل مع مسألة الحفاظ على البيئة. فبدلا من الاكتفاء بإعلام الناس بالتغييرات والقيود المفروضة، تقوم تلك الجهات بالاستفسار من تلك المجتمعات البشرية عن المشكلات البيئة ودمجها في صناعة القرار بغية تغيير رؤية المجتمع للحياة البرية.

فريلاند هي واحدة من تلك المنظمات النشطة التي تتبنى منهجا متشعبا. فالمنظمة وإن كانت تحظى بشهرتها في وسائل الإعلام كمطور تطبيق وايلدسكان تنخرط كذلك في بناء قدرات المجتمعات المحلية ساعية لتغيير تصور تلك المجتمعات على نطاق قومي في أكثر من دولة.
“تتركز 60 في المائة من أعمال فريلاند على التوعية، وتقليل الطلب( على التجارة غير الشرعية) وتحسين السلوك«، حسبما يقول بريتشت، والذي يضيف :» بالتعاون مع منظمات الحماية البرية الرائدة في المنطقة، أطلقنا حملة كبيرة تحت شعار iTHINK( أنا أفكر)«.


وأطلقت فريلاند ومنظمات أخرى iTHINK كمنصة دعم لحملاتهم، ونفذت الحملة أول مشاريعها في بانكوك. وهناك، استطلع القائمون عليها معرفة العوام بالشئون البيئية ومدى تحمسهم لها. واستطاعت الحملة شحذ اهتمام العامة بأن قامت عمليا بـ«إغراقهم» باللافتات، واللوحات الإعلانية، والإعلانات التليفزيونية.
كما طلب من قادة الرأي والمشاهير المشاركة في تلك الحملات الإعلامية عبر توصيل رسائل حول حماية الحياة البرية، وهو ما تم عرضه في الشوارع ذات الكثافة المرورية العالية. تلت تلك الحملات استطلاعات راي وإحصاءات لقياس استجابة العامة، كما أجريت تعديلات لضمان نجاح الحملات في حمل الناس على التفكير وإعادة النظر في تصوراتهم القائمة.

«حقيقة، حققنا نجاحا مرضيا»، يقول بريتشت، مضيفا :«في الوقت الحالي، الحملة مستمرة في تايلاند، وفيتنام، والصين في ذات الوقت، وثمة خطط للتوسع في iTHINK في ذات الدول. كما ندرس التوسع خلال الأعوام القليلة القادمة في أنحاء أخرى من العالم تشهد أزمات وجرائم في حق الحياة البرية مثل إفريقيا وأميركا الجنوبية».



“الخلاصة هي أن فريلاند تؤمن تماما بالمنهج الشمولي. فنحن نرى أن الطريقة المثلى لوقف القتل الجماعي للحيوانات المهددة حول العالم بهدف الربح هي بدعم إنفاذ القانون وزيادة الاعتقالات لوقت كاف تستطيع فيه حملات تغيير السلوكيات مثل iTHINK مزاولة نشاطها فلا يحتاج الناس لشراء تلك الحيوانات ولا منتجاتها«.

مستقبل حركة حماية الحياة البرية

وفيما تضع المنظمات «العلم الجماهيري» وإشراك المواطنين في جهود الحماية نصب أعينها، أصبح حتما على الأفراد الانخراط في حماية وتحسين البيئة. ففي هذا العالم الذي تحكمه التكنولوجيا، صار الناس أكثر تمكنا من التطبيقات والوسائل التكنولوجية، فيما يدعو نشطاء حماية البيئة الأفراد لعدم الوقوف موقف المتفرج وأن يكونوا جزءا من الحل. لم يعد كافيا بعد الآن أن نلقي بالمسؤولية على عاتق سلطات إنفاذ القوانين وحسب.



“إذا كان من أمر واحد أستطيع أن أشدد عليه فهو أن على الجميع أن يلعب دورا في مساعدة المنظمات كفريلاند في وقف الجرائم في حق الحياة البرية«، يقول بريتشت، متابعا:» اطلب من أصدقائك ألا يشتروا أشكال الحياة البرية، تحدث عن الأمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأبلغ عن جرائم الحياة البرية التي تشك في وقوعها«.

تطبيق WildScan متاح للتنزيل مجانا من Google Play لمستخدمي نظام Android