د. محمد صبرى يوسف يكتب: حروب النوم واليقظة

كتب: اخبار الخميس 13-08-2015 11:19

أصدرت هيئة جاسون، وهى إحدى الهيئات العلمية الاستشارية الوثيقة الصلة بوزارة الدفاع الأمريكية تقريرا مثيرا عن الأبحاث المتعلقة بآليات النوم واليقظة ومدى ارتباطها بالأمن القومى الأمريكى.

فمن المعروف أن اضطراب أداء الجنود تحت تأثير الإرهاق الناجم عن قلة النوم، يعتبر من أكثر العوامل البشرية تأثيرا على الكفاءة العسكرية. حتى إن جيوش الدول العظمى باتت تخشى من قيام دول معادية بابتكار تقنيات تخفف من الآثار السلبية لقلة النوم.

لأن أى وسيلة تحسّن من أداء الجنود وكيفية تصرفهم تحت تأثير الحرمان من النوم ستوفر ميزة استراتيجية قصوى فى ميادين القتال، حين يكون الحرمان من النوم لا مفر منه. وعبر التاريخ، كان التلاعب فى فترات نوم ويقظة الجيوش المعادية من خلال إرهاقها واستنزافها هو أحد التكتيكات العسكرية الناجعة.

وذلك لما لقلة النوم من تأثير سلبى على أداء المهام الإدراكية المعقدة والتقدير السليم واتخاذ القرارات الحاسمة أثناء العمليات العسكرية. ومن الجدير بالذكر أن العلماء لا يعرفون على وجه التحديد لمَ يحتاج الإنسان للنوم. إلا أن أحدث النظريات تشير إلى أن وظيفة النوم الرئيسية هى تخليص الدماغ من الضوضاء التى تتراكم فيه عبر المثيرات والمؤثرات اليومية. فالإنسان يشاهد ويسمع الكثير خلال اليوم، لكن دماغه ينتقى من هذه الجلبة ما هو هام وعاجل فقط ليتعامل معه، تاركا الكثير من «المخلفات» الحسية دون«تدوير».

وفى هذا يكون النوم بمثابة نهاية يوم عمل لدكان صاخب مكتظ بالعاملين والزبائن، وجب ترتيبه وتنظيفه قبل استئناف النشاط فى اليوم التالى.

جنود ناموا من شدة التعب وطول اليقظة فى ساحة العمليات فصاروا أهدافا سهلة لخصومهم لابد من حراستها

ولم يعد سرا أن هناك سباقَ تسلح محموما قائما بالفعل بين الجيوش العظمى فى مجال الأبحاث المتعلقة بآليات واضطرابات النوم. وأن هذه الجيوش تمول بكثافة مشاريع بحوث متقدمة لاختبار تأثير فئات من المواد الكيميائية والمكملات الغذائية ومولدات الطاقة على يقظة ورد فعل الجنود، الذين يخضعون لتدريبات شاقة ومكثفة تستمر فى بعض الأحيان لثلاثة أيام متواصلة مع حرمان شبه تام من النوم. وتتم دراسة تأثير هذه المواد عن طريق تحليل التغيرات فى أنماط الرنين المغناطيسى الوظيفى fMRI للدماغ. وليس سرا أيضا أن هذه الأنواع من الأبحاث تُراقَب بعناية شديدة من أجهزة الاستخبارات العالمية، حتى وإن كانت تمارس بشكل أكاديمى بحت فى الجامعات والمراكز البحثية، خاصة ما يتعلق منها بتقنيات بازغة مثل «الاستثارة العميقة للدماغ» Deep Brain Stimulation. وتنطوى هذه الآلية على زرع أقطاب كهربية رقيقة من خلال فتحات صغيرة فى الجمجمة، تستهدف مناطق بعينها فى الدماغ. ويمكن للجيل الجديد من هذه الأجهزة رصد أنشطة الدماغ لحظياً والتدخل تلقائياً لاستثارة المسارات العصبية وتعديل الاضطرابات الوظيفية. وقد تم بالفعل استخدام هذه التقنية بنجاح فى تخفيف آثار أمراض الصرع والاكتئاب والشلل الرعاش لعشرات الألوف من المرضى حول العالم. فهل من الممكن تشذيب هذه التقنية ودمجها فى خُوَذِ الجنود، ليصبحوا فى حالة يقظة دائمة بمجرد الضغط على زر؟ هذا ما ترجوه وتراقبه الجيوش العظمى وأجهزة استخباراتها عن كثب.