صفارة إنذار

جمال الجمل الأربعاء 12-08-2015 03:32

لا أنتظر أملا من أي تغيير حكومي جديد، ولا يهمني بقاء المهندس محلب على رأس مجلس الوزراء، أو رحيله.

الأمل الوحيد الذي أنتظره وأحلم به لمصر هو امتلاك رؤية واضحة باتجاه المستقبل.

كتب المفكرون كثيرا أن نهضة أي مجتمع تبدأ بسؤال: من نحن؟، ثم أسئلة فرعية أخرى تدور حول هذا السؤال المركزي مثل: ماذا نريد؟، وما هي ظروف العالم من حولنا؟، وماهي إمكاناتنا الفاعلة؟، وماهي عيوبنا ونقاط ضعفنا؟.. إلخ.

نتحدث جميعا عن مصر، ونرفع شعارات الخير لها ولشعبها، ولكن أحدا لم يتعب نفسه ليحدثنا عن هوية مصر هذه، فتناثرت في الأدمغة صور شتى لمصر تبدأ من الهوية الفرعونية وتصل إلى حد استعارة القناع الأفغاني، صار الشارع الواحد، وأحيانا البيت الواحد يجمع بين الخواجة (أبوشورت وأفكار غربية)، وبين الوهابي الذي يحرص على قميص مصعب بن عمير (رضي الله عنه) أكثر مما يحرص على سلوكه، وبين هذا وذاك كرنفال من الملابس وأغطية الراس وشكل السحنة، وتشكيلة الأحلام والأفكار والنظرة للعالم!

مصر التي صهرت كل الثقافات والجنسيات والمعتقدات في طابع حضاري خاص جعل لها طعما وعبقا مميزا بين شعوب الأرض، تشظت فتافيت فتافيت، وصارت هباء منثورا، وكل «فتفوتة» تناطح لكي تفرض أفكارها وأحلامها على الفتافيت الأخرى، صارت لدينا رغبة مجنونة في التهجم على كل شخص، وكل شئ، وكل معنى، نستمتع بتحقير الآخرين، ونسخر من تاريخنا، وننهال بالمعاول كل ما تراه أعيننا وتطاله أيادينا.

هذا الهوس بالتكسير والتحقير، ربما تكون حالة مؤقتة من رد الفعل على عقود طويلة من القهر والظلم، وربما تكون شعورا دفينا بالاحساس بالامتهان والعار، عندما تقاربت المسافات بيننا وبين العالم، فاكتشفنا أننا متخلفون، والمسافة بيننا وبين العالم المتقدم كبيرة، فنشأت لدينا هذه النزعة التدميرية، كحيلة نفسية للتبروء من التخلف، ومحاولة الانتساب للعالم المتقدم بالسخرية من حالنا ومن تاريخنا أيضا.

نحن نتحدث كثيرا عن الفساد السياسي، ومشاكل الاعلام والتعليم والأحزاب، والتشريعات، لكننا لم ننتبه للفساد الذي أصاب هوية المواطن، بل أن كبارنا صاروا يعتبرون الجنسية الأجنبية هدفا للتمايز يلهثون للحصول عليه، ثم نريد لمصر ان تنهض!
كيف ينهض بلد لا نعرفه، ولا يتفق أهله على شئ بينهم، ولا يعرف من هو؟، وماذا يريد؟.

إن مشكلة مصر الحقيقية، ليست في البطالة والفقر، ولا في طوابير الخبز وأنابيب البوتجاز، وأسعار الانترنت، فهذه كلها مجرد أعراض لمرض واحد اسمه «غياب الرؤية»، وأتمنى.. أتمنى أن نفكر في كيفية بناء هذه الرؤية بشكل جمعي.

المهمة صعبة، وتحتاج إلى تخطيط ومؤسسات فكرية وثقافية، وأذرع إعلامية واعية، وأحزاب على قدر المسؤولية، وسلطة لديها إدراك بأن المستقبل الذي يتحدث عنه الجميع لايمكن الوصول إليه إلا بعد امتلاك هذه الرؤية، والأهم هو دفع القطاعات الفاعلة في هذا الشعب نحو التفكير الإيجابي في المستقبل، ونحو فتح ىفاق جديدة تشعره بالفخر بمصريته، بدلا من تشتته على الهويات الغريبة والمنفرة التي باعدت بين الأخ وأخيه والجار وجاره.

ربما لا يكون كلامي واضحا بما يكفي، لكن صفارة الإنذار ليست واضحة ايضا ولا تقول عبارات واضحة، ومع ذلك فهي كافية للتنبيه وإنقاذ الناس.
فاعتبروا كلامي المبهم مجرد صفارة إنذار، ولا شك أنكم جميعا تتوقعون الأخطار التي تهدد حياتكم وحياة أولادكم، فانتبهوا، واعتصموا، وانهضوا.

جمال الجمل
tamahi@hotmail.com