اعتراف على طريقة بيكاسو

جمال الجمل الثلاثاء 11-08-2015 03:18

ليس لدي ما أكتبه في هذا المقال، لكنني مضطر للكتابة، فالمواعيد ملزمة، والكتابة الاحترافية تقتضي أن يملأ الكاتب المساحة المخصصة له بأي كلام، حتى لو كرر نفسه، أو كرر غيره.

هذا الوضع يدمر نفسيتي تماما، لأنني أول من يعلم أنني احتال وأبيع للقارئ كلمات مستهلكة، بعتها له من قبل.

ذات مرة كان بيكاسو في مرسمه بالعاصمة الفرنسية باريس، عندما استأذن في الدخول لمقابلته واحد من أهم تجار اللوحات في المعارض الدولية، وسمح له بيكاسو بالدخول رغم انشغاله في رسم لوحة جديدة، لكنه شعر برغبة حماسية في معرفة سبب الزيارة المفاجئة لذلك الرجل الذي يتحكم في بورصات الفن العالمية، وفوجئ بالرجل يخرج لوحة فنية، ويقول لبيكاسو: لقد اقتنيت هذه اللوحة الرائعة من أعمالك، وأريد أن نلتقط معها صورة تذكارية.

نظر بيكاسو للوحة بفتور وقال للرجل: لكن هذه اللوحة مزيفة!

دارت الأرض بتاجر اللوحات، وخرج محبطا من مرسم بيكاسو، وبعد أكثر من عام عاد الرجل يطلب لقاء بيكاسو، ولما دخل قال له بكل ثقة: هذه المرة تمكنت من اقتناء واحدة من لوحاتك يا بابلو، وأريد أن أحتفل بذلك.

نظر بيكاسو إلى اللوحة بازدراء، وقال: لكنها أيضا مزيفة.

صرخ الرجل: مستحيل.. إنها لوحتك بلا شك، وتوقيعك عليها واضحا.

كرر بيكاسو عبارته باقتضاب: صدقني إنها مزيفة.

رد الرجل متحديا: إنها لوحتك، وقد رأيتك وأنت ترسمها هنا في نفس المكان عندما زرتك في العام الماضي.

قال بيكاسو بطريقته المتكبرة: ربما تكون قد رأيتني وأنا أرسمها، لكنني أؤكد لك أنها مزيفة!

قال الرجل مندهشا: كيف؟!

رد بيكاسو: لأنني أضطر في كثير من الأحيان لرسم لوحات لاتمثلني، إنها بالنسبة لي مجرد لوحات مزيفة.

قد تهرب الفكرة، ويختنق الأسلوب، ويشعر الكاتب أو الفنان بالخواء لسبب يعلمه أو أسباب يجهلها، فيلجأ إلى مجرد شخبطة على «اسكتش» أو نظم الكلام في عبارات حسبما تيسر، لكسر الصمت وملء المساحات المطلوبة، والتدريب على شيء لم يأت أوانه بعد، فيقدم عملا زائفا، وأعترف بكل صراحة أن هذا المقال واحدا من الأعمال الفنية المزيفة، لكنه لا يخلو من حكمة عليكم أنتم باكتشافها، حتى أجد ما يستحق الكتابة

وعندي رجاء أن تنقذوني من إحباط الكتابة بدعواتكم الصالحات.

جمال الجمل

tamahi@hotmail.com