فاروق الذى ظلمنا وظلمناه (1)

صلاح منتصر الإثنين 10-08-2015 21:58

اختلفت لغة الكلام عن ثورة يوليو التى بلغت هذا العام ٦٣ سنة، فخرج من جانب عبدالناصر من راح يهاجم السادات بعنف ويتهمه بأنه سرق الثورة وبدد إيجابياتها فى الانفتاح الذى طبَّقه، ليرد عليه الجانب الآخر بالقول إنه إذا كانت هناك أصلاً إيجابيات فقد غطَّت عليها السلبيات، وهزائم الفترة الناصرية التى تركت البلاد فى خراب.

وبصرف النظر، فالواضح مع تباعد السنين أن مساحيق التجميل التى كانت تُزيِّن ذكرى ثورة يوليو قد ذابت أو ساحت، بل أكثر من ذلك قرأنا لأول مرة فى هذه المناسبة من راح يتحدث عن «الدور الوطنى» الذى ساهم به الملك فاروق فى نجاح هذه الثورة. ففى وقت واحد، وعلى غير اتفاق، كتب الأستاذ حلمى النمنم فى «المصرى اليوم» والأستاذ على سالم فى «الشرق الأوسط» عن الملك فاروق ما معناه أن فاروق يوم 23 يوليو 52 كانت لديه قوات من الجيش تستطيع- لو أراد أن يأمرها- مقاومة «الانقلاب» الذى قام به بعض الضباط، ولكن فاروق لم يكن يقل وطنيةً، وتحاشى أن يتقاتل أفراد الجيش الواحد.

والذى لم نعرفه إلا بعد أن تم الإفراج عن وثائق الخارجية البريطانية والأمريكية، والرسائل التى تم تبادلها بين المسؤولين الإنجليز والأمريكيين فى القاهرة ولندن وواشنطن، خلال أسبوع أحداث يوليو 52، وقد نشرها الأستاذ محمد حسنين هيكل فى فصل كامل استغرق 60 صفحة فى كتابه «سقوط نظام»، البالغ 600 صفحة، أن فاروق كبشر استشعر الأخطار التى تحيط به منذ فجر الثالث والعشرين من يوليو، وأن تفكيره فى البداية كان الهروب هو وأسرته لفترة إلى أن تستقر الأحداث فى مصر. وكانت البداية اتصاله فى الخامسة صباح 23 يوليو بالسفير الأمريكى فى مصر «جيفرسون كافرى» طالباً مساعدة أمريكا فى مغادرة الأراضى المصرية بأسرع وقت على أى قطعة بحرية أمريكية قريبة، يمكنها أن تأخذه من قصر رأس التين هو وأفراد أسرته. وأضاف فاروق قائلاً للسفير الأمريكى إنه لم يُوجِّه مثل هذا الطلب إلى السلطات البريطانية لأنه لا يريد أن يغادر مملكته تحت حماية المدافع البريطانية حتى لا تسوء صورته أمام شعبه، فضلاً عن أنه ليس واثقاً من النوايا البريطانية تجاهه.

ولم يأت رد أمريكا ولا بريطانيا، التى أصبحت على صلة ضرورية بالأحداث وتطوراتها، ملبياً مطلب فاروق لعدم قناعة الاثنين بأن الأحداث- حتى هذه اللحظة- تستدعى التدخل فى شؤون مصر وإنقاذ فاروق، بل إن بريطانيا فى رسالة من أنتونى إيدن، وزير الخارجية فى ذلك الوقت، إلى القائم بأعمال السفارة البريطانية فى مصر ذكر عبارة لها مغزاها قال فيها: «ولعلمك الخاص فنحن الآن لا نرى بأساً من أن يشعر فاروق بالخوف».

وعندما جاء يوم 24 يوليو، اليوم التالى للانقلاب، فقد حمل على ماهر، الذى قرر ضباط الانقلاب توليه رئاسة الوزارة، طلبات الجيش، وكانت محددة فى تعيين اللواء محمد نجيب قائداً عاماً للقوات المسلحة، وتفويضه فى إجراء تطهير فى الجيش يتضمن إنهاء خدمة 56 ضابطاً، بينهم 21 لواءً تم اعتقالهم فعلاً. وكان المطلب الثانى تسريح الحرس الحديدى، التابع للملك مباشرة، وتسليم سلاحه إلى الجيش، أما المطلب الثالث فكان طرد سبعة من أعوان فاروق فوراً (محمد حسن، أمين الخدمة الشخصية، وأنطون بوللى، مدير شؤونه الخاصة، وإلياس أندراوس، مدير أعماله المالية، وكريم ثابت، مستشاره الصحفى، والقائمقام حلمى، سائقه الخاص، الذى أصبح قائد المركبات الملكية، ويوسف رشاد، طبيبه الخاص، واللواء عاكف، طيار الملك الخاص). وكما روى على ماهر لمايكل كروسويل، القائم بالأعمال البريطانى، وكان قد قابل على ماهر صباح 25 يوليو، فإنه (على ماهر) وجد فاروق فى البداية عنيداً يرفض الاستغناء عن أقرب رجاله، ولكن مع إقناعه فإنه استسلم للحقائق فى النهاية بشرط خروج أعوانه بناءً على استقالات يتقدمون بها.

وكان من بين الملاحظات اللافتة أن على ماهر فى حديثه مع فاروق ذكر أنه لا يعرف من هو القائد الحقيقى للانقلاب، لكن تخمينه أنه «البكباشى أنور السادات»، الذى جاء على ماهر فى صباح يوم الانقلاب يبلغه باختياره لتشكيل وزارة جديدة، وهو لا يعرف عنه الكثير. ولكن فاروق قال له: أنور السادات.. هذا ضابط مجرم!

ومع أن هذه المطالب كان يمكن أن تطمئن فاروق إلا أنه لم يتوقف عن اتصالاته بالسفير الأمريكى يطلب مساعدته فى الخروج من مصر، خاصة بعد أن قام الجيش بمحاصرة قصره فى الإسكندرية، ولم يسعفه الوقت، ففى ظهر يوم 26 يوليو كان على ماهر يحمل إلى فاروق مطلباً جديداً بالتنازل عن العرش قبل السادسة مساء نفس اليوم. وكما روى على ماهر للقائم بالأعمال البريطانى: لقد كنت أخشى أن يقوم اللواء محمد نجيب أو أحد من ضباطه بهذه المهمة، ويتصرف بطريقة غير مناسبة مع الملك فاروق. ويكفى أن إنذارهم له كان مكتوباً بصيغة مهينة جداً، لدرجة أن على ماهر نسيه دون قصد فى سيارته عندما دخل ليقابل الملك.

salahmont@ahram.org.eg