ثمن السلام

سمير فريد السبت 08-08-2015 21:26

وصلت الرسالة التالية من الدكتور يحيى نور الدين طراف: جاء فى مقالك «نعم كان نجيب محفوظ ممنوعاً من كل الدول العربية» عدد الاثنين الماضى ما يلى: «وقد كنت من معارضى السادات وقبض علىَّ مع أعضاء اللجنة التى هاجمت جناح إسرائيل فى معرض الكتاب فى يناير 1980، ومنعت من السفر ومن العمل فى الصحافة، فيما اعتبره المؤيدون ثورة سبتمبر عام 1981، ولكن لم يكن موقفى رفضاً للسلام، وإنما لما اعتبرته ثمناً بخساً للسلام آنذاك، ولم أكن أعرف ما عرفت بعد ذلك من تفاصيل»، فهل عبارة «ولم أكن أعرف ما عرفت بعد ذلك من تفاصيل» التى جاءت فى ذيل كلامك، هى تأييد لما ذكرت قبلها، أم استدراك له؟ أو بقول آخر، هل أيدت التفاصيل التى عرفتها فيما بعد، فكرتك عن الثمن البخس للسلام، أم غيرتها إلى قناعة أخرى معاكسة؟

فطبقاً للترتيبات الأمنية الملحقة باتفاقية كامب ديفيد، فقد جرى تقسيم سيناء إلى ثلاث مناطق أمنية بواسطة خطين طوليين بطول سيناء، المنطقة «أ» تقع إلى الغرب من سيناء وتمتد من قناة السويس حتى قبل المضايق والممرات الاستراتيجية الحاكمة بعمق 58 كيلو متراً وتتواجد فيها فرقة مشاة ميكانيكية قوامها 22 ألف جندى «تذكر أننا عبرنا بخمس فرق»، ثم تأتى فى قلب سيناء المنطقة «ب» وعرضها 109 كيلومترات مسموح فيها بأربعة آلاف من أفراد حرس الحدود المصريين، ثم تأتى المنطقة «ج» المتآخمة للحدود مع إسرائيل وعرضها 33 كيلو متراً، ولا يسمح فيها إلا بوجود قوات الشرطة، كذلك إخلاء سيناء من أية مطارات أو موانئ حربية مصرية، وحظر تلغيم أراضيها.

هذه البنود الأمنية فى اتفاقية كامب ديفيد خلخلت سيناء من التواجد العسكرى الفعال شرق الممرات، لكن ذلك كان فى غطاء طوال وقت الاحتلال الإسرائيلى لغزة، فلما انسحبت إسرائيل من غزة من طرف واحد، وقامت دولة حماس هناك، استجد وضع لم يكن موجوداً وقت توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية السلام، فبرز طرف ثالث معاد لمصر على حدودها لا تلزمه حالة السلام بين طرفى المعاهدة ولم يوقع عليها، وهو ما يعد فى ذاته نقضاً من إسرائيل للاتفاقية، كما أنه وضع جنود الأمن المركزى المصريين فى مواجهة آلة حماس العسكرية.

البقية معروفة ولا تحتاج لشرح، وكان يجب غداة انسحاب إسرائيل الأحادى من غزة، أن تتقدم قواتنا بما نراه نحن - وليس أحداً آخر - كافياً من عدد وعتاد، لمحاصرة القطاع وتأمين حدودنا معه بعد أن تخلت إسرائيل عن تأمينها بانسحابها، لكن أحداً لم يقرأ المستقبل أو يتوقع أحداثه، فكان ما كان وما هو كائن، لقد بدت اليوم سوءة البنود الأمنية لمعاهدة السلام جلية واضحة، ومدى إجحافها بنا وظلمها لجيشنا ولأمننا القومى فى سيناء، ولا يجب أن يفوتنى هنا أن أذكر باستقالة وزير خارجيتنا آنذاك محمد إبراهيم كامل من منصبه ومغادرته منتجع كامب ديفيد عشية توقيع المعاهدة، إن تعديل هذه الترتيبات الأمنية لما فيه مصلحتنا القومية، هو أمر حتمى وواجب وطنى، خاصة بعد مرور أكثر من خمس وثلاثين سنة على توقيع الاتفاق.

■ ليت كل القراء، بل وكل الكتاب، مثل الدكتور يحيى نور الدين طراف، فى الدقة، وتوثيق المعلومات، عند القراءة وعند الكتابة.

اتفق تماماً مع الدكتور طراف فى ضرورة تعديل الترتيبات الأمنية فى اتفاقية كامب ديفيد بما يحقق المصلحة الوطنية المصرية فى الحاضر بعد مرور عقود، ومن أجل المستقبل.

أما ما عرفته بعد عام 1981 من تفاصيل، فلم يغير موقفى من حيث المبدأ فى أن ثمن السلام بين مصر وإسرائيل كان بخساً لأنه لم يضمن الحل العادل للمشكلة الفلسطينية، وهو فى نظرى حل الدولتين، ولم يضمن تدفق الاستثمارات عابرة القارات إلى مصر، فهذا التدفق فى رأى قرار سياسى من القوى الكبرى التى تحكم العالم.

من الطبيعى إعادة النظر بعد كل معرفة جديدة، وما عرفته بعد 1981 من الكتب والوثائق التى نشرت أن مفاوضات كامب ديفيد كانت أكثر صعوبة من الحرب، وأن الرئيس السادات لم يفرط، ولكن الثمن كان بقدر قوة مصر تماماً بالمفهوم العلمى الصحيح للقوة، أى قوة الدولة فى الإدارة والتعليم والصحة والعمران، وليست القوة العسكرية كما هو شائع، فما القوة العسكرية إلا نتاج قوة الدولة المدنية.

وعندما أنظر اليوم إلى الدول العربية التى قادت جبهة «الصمود والتصدى» ضد كامب ديفيد، من تونس والجزائر وليبيا إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن والصومال، أرى أن السادات هو من أنقذ مصر من المصير البائس لهذه الدول، وأن مبارك كان على حق فى اتباع خطى السادات، وحاول أن تقارن بين كامب ديفيد كارتر مع مصر، وكامب ديفيد أوباما مع السعودية ودول الخليج.

samirmfarid@hotmail.com