لا يخلو جدول المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، من مواعيد لمواطنين بسطاء جاءوا لمقابلته، أملاً في أن يحل لهم مشكلات فشلوا أن يجدوا آذانا صاغية من صغار المسؤولين لحلها، رئيس الوزراء لم يتردد في أن يفتح مكتبه ليسمع شكواهم ويحدد لهم مواعيد في جدول مزدحم يبدأ في التاسعة صباحاً وينتهى منتصف الليل.
بات محلب الملاذ الأخير لمن ضاقت بهم الدنيا، وأوصدت أبواب الشكوى في وجوههم، فأصبحت جملة «يا محلب اسمعنى» معتادة في جولات رئيس الوزراء، التي يقوم بها لمختلف الأحياء، من مواطنين ينادون على رئيس الوزراء، منهم من يبحث عن علاج أو مأوى أو وظيفة لأبنائهم، بل إن مواطنة ظلت تنتظر ١٨ شهرا أمام أبواب مجلس الوزراء حتى استطاعت أن تلتقى رئيس الوزراء في جولته بمنطقة سعد زغلول لتعرض عليه شكواها، وأصبح البسطاء يترددون على مكتب رئيس الوزراء كما يترددون على أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين، طمعاً وأملاً في حل مآسيهم.
ورث محلب جهازا إداريا مترهلا، أصابه الفشل والفساد، تعود المسؤولون فيه على السلبيات، وأغلقوا مكاتبهم في وجوه المواطنين وفتحوها لتلقى العمولات والرشاوى، فأصبح المواطن يعانى من لحظة خروجه من باب بيته حتى يعود، منهكا رث الثياب، مهلهلا شاحب الوجه- كما قال الفنان أحمد راتب في أحد مشاهد فيلم «السفارة في العمارة»- فيصطدم بتلال القمامة في الشوارع، ويعانى أشد العناء لو ذهب لاستخراج ورقة رسمية، ويحاصره المرض من تلوث مأكله ومشربه، وإذا اعتلت صحته فعليه أن يواجه المجهول في مستشفيات الحكومة.
حسناً يفعل رئيس الوزراء بسماع شكوى البسطاء من أبناء وطنه، ولكن مصر بها ٩٠ مليون مواطن، ونصف سكانها تحت الفقر يعانون من المرض والجهل والفقر، ربما يأمل أغلبهم في أن يحظى بلقاء رئيس الوزراء، ولكن محلب لن يستطيع، ربما الحل أن تواصل الحكومة جهودها لتنمية القرى الأكثر فقراً وتحسين خدمات الصحة والتعليم.
آخر مقابلات محلب كانت مع مواطنة ناشدته من خلال أحد البرامج التليفزيونية، وعندما التقاها وجد أن لها مشكلة خاصة بالتعليم، بالطبع لو وجدت السيدة من يسمع شكواها من كبار موظفى وزارة التربية والتعليم أو حتى الوزير لما ناشدت رئيس الوزراء.
يعلم محلب أن وراءه جهازا إداريا فاشلا يعوق أي إنجاز، فكثير من مشكلات مواطنى بلده يمكن أن تُحل من خلال رئيس حى أو حتى محافظ أو وزير، وهى من صميم عملهم، ولكنهم في سبات عميق، أتعبهم الحر، فأغلقوا مكاتبهم للاستمتاع بجو التكييف، وليذهب المواطنون إلى الجحيم.
آن الأوان لإصلاح إدارى من الجذور، يقتلع الفاسدين بلا رحمة، بدءاً من الأحياء وحتى وكلاء الوزارات، فهو أهم من تغيير المحافظين أو حتى تغيير الوزراء.