هل الحق واحد وما دونه باطل؟ وإذا كان هذا صحيحا فلماذا اختلف الأكابر فى التعاطى مع نفس الموضوع؟
كان زيد بن على بن الحسين هو عم جعفر الصادق وإن كان يناهزه عمرا. وكلاهما إمام من أعلام آل البيت. بالطبع عانى كلاهما الشدة من الخلفاء الأمويين الذى قتلوا جدهما الحسين. كان حكم الأمويين عضوضا وظالما، وإن لم يخل من هيبة الدولة واتساع الفتوحات، فياللعجب من اختلاط الخير والشر فى هذه الحياة!
الأمر الذى يستحق التأمل هو البون الشاسع بين تصرفات كليهما فى مواجهة الحاكم الظالم. ففى حين أن الإمام زيد ثار على هشام عبدالملك ودفع حياته ثمنا لثورته، فإن الإمام جعفر فعل كل ما فى وسعه لاتقاء بطش الخلفاء.
الباطل واحد، وسبل مواجهته تعددت كما سترون فى تباين موقفى الإمامين.
دعونا نقرأ ما كتبه أبوزهرة عن «الإمام زيد»: من أجل إقامة الحكم على أساس من كتاب الله والسنة وأن يصلح الله بين أمة محمد، لم يضنّ الإمام زيد بالفداء. وتقدم للميدان عندما رأى السنة تموت والبدعة تحيا والباطل يسود والحق يُغلب، وما خرج إلا وهو يريد الإصلاح.
كان هشام ابن عبدالملك ينظر إلى العلويين نظرة العدو المتربص لما علمه من حب الناس لهم، وحين أخذ زيد يتنقل بين العراق والمدينة، وأنهى حالة العزلة التى كان يعيشها آل البيت بعد مأساة كربلاء، فإن هشام عبدالملك اشتد ارتيابه فاستدعى زيدا وأحرجه وآذاه فى كرامته ومروءته بحيث لم يعد أمامه إلا الثورة! استدعاه أنصاره بالكوفة، ثم لم يوفوا له بما عاهدوه، وقُتل حراً أبيا فى ساحة الوغى بين مشتجر السيوف.
بالنسبة للإمام جعفر، فإنه بالطبع ما كان يرضى بالحكم الأموى، ولكنه كان يعلم أن شيعة عصره يغرون ولا ينصرون، ويتكلمون ولا يفعلون، ويحرضون وعند الشديدة يفرون. وبالتالى هادن الخلفاء تماما، ولم يحرّض عليهم قط. هذا مثال لما يسميه الشيعة التقية وأسميه أنا الحكمة. والدليل القاطع أننا فى الأرض تحكمنا قوانين الأرض، وإلا لجابهه الإمام جعفر بالحقيقة وانتظر نجدة السماء!
قال المنصور: «أنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وفسادك على أهل البيت من بنى العباس. وما يزيدك الله بذلك إلا شدة حسد ونكد وما تبلغ به ما قدّرت».
رد الإمام جعفر: «والله ما فعلت شيئا من ذلك، هذا ولقد كنت فى ولاية بنى أمية، وأنت تعلم أنهم أعدى الخلق لنا ولكم، فوالله ما بغيت عليهم، ولا بلغهم عنى شىء مع جفائهم الذى كان لى. فكيف أصنع هذا الآن، وأنت ابن عمى وأمس الخلق بى رحما وأكثر عطاء وبرا، فكيف أفعل هذا؟».
وبعد مجاوبة ومعاتبة قال المنصور: «أظنك صادقا» وأعاده إلى المدينة مكرما.
.................
إذا فسبل الصواب متعددة وليست طريقا واحدا إما أن تسلكه أو تصبح على باطل. هذه حكاية أهديها للشباب الذى تدفعه حمية شبابه واعتقاده بصواب معتقده إلى مواجهة السلطة التى لا تتردد فى استخدام القوة. هذان إمامان جليلان من أئمة آل البيت كان لكل واحد منهما سبيل مختلف فى مواجهة الباطل. وكلاهما على حق إن شاء الله. فالحياة أعقد من أن تحتمل وجها واحدا للصواب. فهى بحاجة إلى الشهيد احتياجها إلى الحكيم. ثم يحكم الله يوم القيامة بين عباده فيما هم فيه يختلفون.