لقد جرى كل شىء على ما يرام بحمد الله وبفضل سواعد أبناء الشعب المصرى، وتم افتتاح «مشروع قناة السويس الجديدة»، فى احتفال لائق، أسعد عشرات الملايين من المصريين ومحبى مصر فى مختلف دول العالم.
لقد أعطى إنجاز القناة بتمويل وطنى، وفى الموعد المحدد، وبتلك الدقة والكفاءة، دفعة معنوية كبيرة للقطاعات الغالبة من المصريين، وبات مصدراً لإلهامهم، ومثلاً يمكن أن يقتدوا به فى مشروعات أخرى مقبلة.
كما برهن هذا المشروع للعالم على قدرة المصريين على الإنجاز، بشكل انعكس بوضوح على «صورة مصر والمصريين»، وكرس شرعية النظام، وثبّت «مسار 30 يونيو»، وأزاح التشكيك والارتياب فى المستقبل بعيداً.
لكن.. ماذا بعد؟
أولاً: يجب طى صفحة الاحتفالات فى وسائل الإعلام والمجال العام، بما يشمله هذا من التوقف عن أساليب «الزهو الفارغ»، و«الكيد والتشفي»، و«المبالغة والتهويل»، إضافة إلى تجنب الدخول فى معارك كلامية، عبر وسائط التواصل الاجتماعى أو فى المنتديات، لمواجهة تشكيك أعداء المشروع من كارهى «مسار 30 يونيو» أو مؤيدى تنظيم «الإخوان» والجماعات الإرهابية.
ثانياً: هناك قطاع من المصريين من كارهى «فاشية الإخوان»، ومؤيدى «مسار 30 يونيو»، وداعمى الرئيس السيسى، والذين يصعب جداً التشكيك فى ولائهم للدولة الوطنية، وفى إخلاصهم وكفاءتهم العلمية والعملية، يتساءلون عن «الجدوى الاقتصادية للمشروع»، أو يصفونه بـ «عدم الوضوح»، أو يرون أن «التكاليف الاستثمارية التى ينطوى عليها أكبر من العوائد المنتظرة».
وهؤلاء، على العكس من سابقيهم الذين يعادون المشروع على أسس أيديولوجية، يستحقون أكبر عناية ممكنة، لأنهم، فى الواقع، يفعلون شيئاً حضارياً، يمكن أن يقودنا إلى التثبت من جدوى المشروع، أو إصلاح مساراته فى حال احتاجت الأمور، أو حض الدولة على تقديم الشرح المقنع والمتكامل للمواطنين أصحاب المصلحة الحقيقيين، سواء لأنهم مولوا هذا المشروع، وساندوا القيادة لإنجازه، أو لأنهم سيحاسبون تلك القيادة، عبر صناديق الانتخاب، إن أخفقت، وسيكافئونها إن أصابت.
ثالثا: ولأن هؤلاء «النقاد» أو «المتسائلين» من حقهم أن يحصلوا على إجابة شافية، لهم وللمصريين جميعاً، وللعالم الذى نهدف إلى أن يشاركنا بالاستثمار فى مشروعنا الكبير، فليس أقل من أن تعلن الحكومة تقييماً شاملاً للأثر الاجتماعى والاقتصادى المستهدف من المشروع، فى ضوء تكاليفه، والجهد المبذول فيه.
رابعاً: يجب تحقيق الفائدة القصوى من الدفعة المعنوية الكبيرة التى منحها المشروع للدولة على أكثر من صعيد؛ أهمها بالطبع إعلان المخطط التفصيلى للمجتمع الجديد الذى سينشأ فى منطقة القناة، استناداً إلى المشروع واستفادة منه. وهو مجتمع، يجب أن يكون بمنزلة «جزيرة تميز» تأخذ مصر إلى آفاق جديدة من العمل والإنتاج والالتزام الصارم بمعايير الجودة والنجاعة فى الأداء.
إن إنشاء «القناة الجديدة»، أو «التفريعة والتوسعات»، أو أياً كان الاسم الذى يُطلق على هذا الجزء من مشروع تنمية قناة السويس، هدف مهم وإنجاز كبير، وقد تحقق على أى حال.
لكن الهدف الاستراتيجى من هذا المشروع كان، ولا يزال، أكبر من ذلك وأبعد أثراً؛ إذ يبدأ بتحقيق اختراق سياسى واجتماعى واقتصادى، يؤدى إلى تثبيت السلم الأهلى والاستقرار، ويقود التنمية فى الدولة كلها انطلاقاً من منطقة قناة السويس، ويؤسس لصيغة جديدة فى إدارة المشروعات فى البلاد، ويصبح مصدر إلهام وقصة نجاح يمكن استنساخها فى مناطق عديدة.
خامساً: انطلاقاً من هذا المفهوم للهدف الاستراتيجى للمشروع، فإن ما تحقق ليس سوى «البداية المبشرة»، وما ننتظره كثير، وهذا الذى ننتظره لا يجب أن تقوم به الحكومة وحدها، لكن يجب أن تبادر هى بتأسيسه وتنظيمه وشرحه وإعلانه، بما يشمله هذا من رؤية ومهمة واستراتيجية وآليات عمل، وبما يتضمنه من قطاعات تتصل بالتخطيط، والإسكان، والتعليم، والنقل، والتدريب ضمن مشروع قناة السويس الكبير.
سادساً: سيمكن الآن للقيادة السياسية أن تستثمر هذا «الانتصار المظفر»، وتتحرك من موقع أكثر ثباتاً وتمتعاً بالثقة، نحو الوفاء باستحقاقات الانتخابات البرلمانية النزيهة، ومعالجة احتقانات عديدة تخص الأوضاع الحقوقية، وتلبية مطالبات واضحة بإصلاح المؤسسات ومحاربة الفساد.