منذ أكثر من أسبوع حيث كنت عصبى المزاج بسبب ضغوط الحياة، تملكتنى رغبة فى الانفراد بنفسى من خلال جو هادئ بعيد عن صراخ الأطفال وتحركاتهم العشوائية لذلك حاولت بكل ما لدى من جهد إقناعهم بالذهاب إلى النوم أو اللعب مع أبناء الجيران واستعملت كل الحيل لتحقيق ذلك فاشتريت لهم الحلوى والمقرمشات والمثلجات والهدايا وأعطيتهم بعض المال ورغم ذلك باءت محاولاتى بالفشل وازداد توترى وعصبيتى فما أحوجنى للسكون، فكرت وفكرت وهدانى عقلى إلى حيلة أخرى مؤداها: أن تتظاهر زوجتى بالرغبة فى النوم وبالتالى سوف ينام أطفالى فورا، وبعد بضع دقائق هدأ البيت ونام أطفالى ونامت زوجتى أيضا، لم أتمالك نفسى من الضحك وجلست فى ركن من أركان الحجرة أتنقل بين أفكارى وأقلب ذكرياتى ثم أمسكت قلمى لأخط بعضا من الخواطر والتأملات والأفكار وبينما أنا كذلك شعرت بحالة من الخوف تسللت إلى فجأة بعد أن أحسست بجدران الحجرة تهتز وبسقف الشقة يكاد يسقط فوق رأسى والأرض تترجرج، انطلقت نحو الباب فى محاولة للهروب لكننى تذكرت زوجتى وأبنائى فاندفعت تجاههم وأيقظتهم بسرعة وجرينا جميعا إلى الخارج، وفجأة ونحن فى طريقنا للنجاة بأنفسنا شعرنا بأن البيت كله يهتز وأصوات الأقدام تنطلق بسرعة هنا وهناك الكل يصرخ بهستيريا ويجرى ويقفز ويخبط بقدميه، تيقنت أنه زلزال يتسابق الجميع على النجاة من ضراوته، فتحت الباب وأنا أكاد يغشى على من الخوف، وإذا بجمع كبير من الرجال والنساء والأطفال من سكان العمارة والجيران يتزاحمون أمام الشقة وهم يهتفون بصوت واحد: زمالك زمالك أوه أوه أهلى حديد زمالك سيحه، هنا تنفست الصعداء وأحسست أن المسألة لا علاقة لها بزلزال أو عمل إرهابى، أو غيره وأشفقت على جارى الأهلاوى الذى انهالت عليه السخرية لتعادل فريقه مع سموحة بهدف لكل منهما ونجاح الزمالك فى الحصول على الدورى، وأشفقت كذلك على نفسى لأننى كنت ضحية لعبة كرة القدم التى لا أهواها وأحسست بضرورة الانسحاب من هذا الملعب الذى اختاره غيرى وأخذت زوجتى وأولادى وانسحبت خوفا من أن أفقد شعورى أمام إحساسى بعدم معقولية ما جرى.
تجاذبنى نوعان من المشاعر أولهما فرحتى بأن الأمر قد مر بحمدالله بدون خسائر وثانيهما إحساسى بالمرارة والسخط على نفسى لأننى لم أكن يوماً لاعباً لكرة القدم تتجمع الناس حوله ويهتفون بحياتى وحياة عائلتى ويدعون لى بالنصر ويدفعون لشرائى الملايين ويغدقون علىّ بالهدايا ويعالجوننى على حساب النادى إذا اقتضت الضرورة.
إن هذه الصورة التى شاهدتها دفعتنى للاندهاش والتساؤل: ما دامت لدينا هذه القدرة العظيمة للتوحد فى وقت واحد بهذه التلقائية، فلماذا لا نتوحد إلا فى مباريات كرة القدم؟ لماذا لا تجمعنا الشدائد وتحركنا المصالح المشتركة مثلما كان حادثاً لنا قبل الثورة؟.
جميل أن نفرح لكن لا يصح أن تصل بنا الفرحة إلى الحد الذى نصبح فيه أسرى لهذا الفريق أو ذاك.
إنها إشارة خطيرة لما أصبحنا عليه من فقدان لكل أشكال التفاعل مع المشكلات الحقيقية التى تحيط بنا وتقف حجر عثرة أمام كل أشكال التطور والتنمية، إننا فى حاجة إلى قوانين صارمة لا يفرض علينا تنفيذها بقوة الشرطة أو القضاء إنما تنبع من ذواتنا لتؤكد حقيقة واحدة أن التغيير يبدأ من الإنسان أولاً وبعده سيتغير كل شىء.
إننا بالفعل نحتاج إلى صحوة نواجه بها كل مشاكلنا، نحتاج إلى صحوة الإنسان فينا، وبعدها سنتمكن من مواجهة تاجر جشع، وصانع غشاش، وموظف مرتش، ولص من لصوص القرود، فكل هؤلاء يسرقون قوتنا وكل هؤلاء يحتاجون إلى تكاتفنا لمواجهتهم.
العيب فينا، والحلول منا، والمطلوب تكاتف الجميع «أفراداً – هيئات غير حكومية – مؤسسات حكومية.. إلخ».
فالحكومة وحدها لا تملك عصا سحرية لإيجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا: فلنجعل ضمائرنا قانوناً يحكم بيننا.. إننا نحلم بهذا اليوم فهل تدعونا نحلم؟.