تم افتتاح قناة السويس الجديدة لتصبح فرعين فى الاتجاهين، وكما كانت مظاهرات الطلبة تهتف «اليوم حرام فيه العلم»، فإن اليوم حرام فيه الحديث عن أى موضوع سوى هذا الإنجاز المصرى العملاق، والذى يؤكد مكانة جمهورية السيسى التى بدأت مصر معها جمهورية ثالثة مختلفة على كل المستويات.
كنت أندهش دائماً من نقد نظام مبارك باعتباره يفتقد «المشروع القومى»، فلست أدرى ما هو المشروع القومى لليابان أو فرنسا أو السنغال غير الاستمرار فى العمل والبناء والتطوير واللحاق بأحدث نظم التعليم والصحة والنقل والمرور ودعم الفنون ودعم الأمن وتسليح الجيش وحماية حقوق الإنسان، وأن يسود القانون، وتحقق القوانين العدل. إنما كانت مشكلة نظام مبارك الفساد والتكلس الذى أصاب كل مفاصل الدولة فى السنوات الأخيرة من حكمه.
سمعت شاباً يقول إنه يحصل على راتب كبير من شركة خاصة، ولكنه يفضل العمل فى الحكومة ولو براتب أصغر، وهذا يعنى ببساطة أنه لا يريد أن يعمل، وهذه خلاصة مشكلة مصر اليوم، حيث العمل ليس قيمة فى ذاته، ولا العلم، وذلك منذ شيوع فكرة «اللى معاه جنيه يساوى جنيه» مع الانفتاح الساذج بعد حرب أكتوبر 1973.
كان انفتاحاً ساذجاً، وقد أصبحت لنا خبرة عالمية فى تشويه أجمل المعانى من الاشتراكية إلى الانفتاح، وكذلك السلام، وتلك مشكلة ثقافية بحتة، ولكن بالمعنى الصحيح لكلمة ثقافة، والذى غاب مع تسمية وزارة باسم الثقافة، وهى فى الحقيقة وزارة الفنون والآداب التى تساهم بقدر محدود فى ثقافة أى بلد.
أصبح الهدف من العلم الشهادة، ومن الشهادة العمل، ومن العمل المال، فإذا جاء المال من دون علم ولا عمل، فأهلاً به، وقد تجسد ذلك بوضوح مأساوى فيما يسمى شركات توظيف الأموال، حيث استقال من أعمالهم شباب فى كامل قدراتهم على العمل، مادامت مدخراتهم تأتى لهم بالمال من دون عمل، وكان هذا فى الثمانينيات ولايزال مستمراً حتى بعد الثورتين!
هناك يوم عالمى للمرأة «8 مارس» ويوم للمرأة المصرية «16 مارس»، وهناك يوم عالمى للعمال «أول مايو»، فلماذا لا يكون 6 أغسطس يوم العمال المصرى، لماذا لا يكون يوم افتتاح القناة الجديدة بعد عمل استمر سنة واحدة فقط، وباستخدام أحدث منجزات العلوم، بداية استعادة العلم كقيمة، والعمل كقيمة، والمال كوسيلة وليس غاية، لماذا لا يكون بداية ثقافة جديدة فى المجتمع المصرى، تصبح معها الجمهورية الثالثة جديدة حقاً وفعلاً؟