«وحشتونا.. اشتقنا لصوت التالتة يمين وشمال».. لافتة في مدرجات بتروسبورت خلال مباراة الزمالك الختامية بالدوري أمام وادي دجلة، في احتفالية نظمها اتحاد الكرة، شاهدها الجميع وسط مقاعد خاوية تبحث عن هتافات وأغاني الجماهير، خاصة مشجعي الأبيض، الذين افتقدهم اللاعبون للاحتفال معهم بالدرع الغالية، الذي عاد لجدران القلعة البيضاء بعد أعوام من الغياب.
وعلى الرغم من عشق الجماهير البيضاء لناديهم، وزحفهم خلفه في كل مكان داخل وخارج البلاد، وأملهم أن يتحقق حلمهم بالوصول لأهم ألقاب الكرة المصرية وهي الدوري، إلا أنهم رفضوا الاحتفال، مؤكدين «لا نكره الخير لنادينا الذي اجتمعنا على حبه وقدمنا من أجله الكثير، ولكن الحزن والألم في القلوب، يأبى أن تدخله مظاهر الفرح في نفس المكان الذي سقط فيه إخوتنا من شهور قليلة».. من بيان مجموعة أولتراس «وايت نايتس».
المشهد الراهن، بالنسبة لعودة الجماهير لبيتها «المدرجات» لا يمكن فهمه دون النظر لعدة مشاهد أخرى.
المشهد الأول، كان في مساء الأربعاء 2 فبراير 2012، عندما تيقن الجميع أن الكارثة قد حدثت، وهنا خسرنا 72 مشجعًا للأهلي في بورسعيد.
المشهد الثاني، مدرجات خاوية إلا من رحم ربي.
المشهد الثالث، قرار بعودة الجمهور من بداية الدور الثاني لموسم 2015/2014، وبداية التطبيق كان في 8 فبراير 2015، مرت مباراة للاتحاد السكندري في استاد الإسكندرية، ولكن في مساء نفس اليوم باستاد الدفاع الجوي، كارثة، خسرنا 20 مشجعًا آخر.
وبعد 50 يومًا من التوقف، عاد الدوري بمدرجات خاوية مرة أخرى، وتشاء الأقدار أن يفوز الزمالك بأول دوري «منتظم مكتمل» منذ ثورة يناير 2011.
المشهد الأخير، وهو الجدير بالكثير من التأمل، حدث خلال الأيام القليلة الماضية.
أولتراس أهلاوي يملأ مدرجات مختار التتش ويفيض، مرتين، ويمر اليوم دون سقوط مصاب واحد، وبعدها جمهور الزمالك يملأ مدرجات حلمي زامورا، أيضًا دون حدوث كوارث، ومع بداية شهر أغسطس، جمهور الإسماعيلي يملأ مدرجات ملعبه في لقاء ودي مع الوحدة السعودي، ومر اليوم بسلام أيضًا.
تلك المشاهد تخللها أحكام قضائية بحظر مجموعات الأولتراس وترصد إعلامي غير مسبوق لتلك المجموعات.
ورغم ذلك، استبشر المتابعون خيرًا، بقرار يأتي طوعًا وليس إجبارًا، بعودة الجماهير للمدرجات مع الموسم المقبل، قبل أن نفاجأ بالأهلي والزمالك في نهائي الكونفيدرالية ويضطر الأمن للتعامل مع حضور جماهيري بأمر من الاتحاد الأفريقي، أو نقل المباراتين خارج مصر.
ولكن البيان الأخير، الصادر عن وزارة الداخلية، والذي شدد على منع الحضور الجماهيري، بجانب تأكيد مصادر أمنية على عدم وجود نية واضحة حتى الآن لعودة الجماهير مع بداية الموسم المقبل، قتلت تلك البشائر في المهد.
لعلك تتخيل معي، حال مجموعة مثل «وايت نايتس»، تأسست في العام 2007، لم تر فريقها يفوز بدرع الدوري، وحين يفوز، تكون قد خسرت «إخوة الدم»، كما ينعت أعضاء المجموعة بعضهم البعض، مرورًا بتخوين وأحكام قضائية بالحظر وهجوم إعلامي، فأعضاء المجموعة- في أفضل الأحوال- في منازلهم أو على المقاهي يشاهدون قائد فريقهم يرفع درع الدوري بعد 11 عامًا من الغياب.
استطاع اتحاد الكرة، مدعومًا من الدولة، من تنظيم دوري من 38 جولة، أي 380 مباراة كاملة، على مدار 323 يومًا، وانتهى بشكل قد يليق لأول مرة منذ سنين عدة، بالكرة المصرية، كما أنه يعد الدوري الأول المكتمل على أسس جزئيًا سليمة منذ 2011، ولكن ما ينقصه هو الحضور الجماهيري بلا شك.
عاد الاهتمام الإعلامي والجماهيري للدوري المصري بعد 4 سنين من الغياب، عاد النشاط لسوق الانتقالات والمنافسة بين الأهلي والزمالك على الأقل ستكون على أشدها الموسم المقبل، وفي حال وجود جماهير، سنشهد موسمًا قد لا ينسى.
الحل قد لا يكون واضحًا في الوقت الراهن، ولكن مشاهد تنظيم الجمهور لنفسه في عدة مناسبات، تستحق النظر بإمعان والتفكير الجدي في عودة الجمهور للمدرجات، بصفته أحد عواكس الاستقرار في الدولة.