تخلّص من «سوزان تميم» الخاصة بك

أيمن الجندي الثلاثاء 04-08-2015 21:18

لكل منا حلمه الخاص الذى يشقى به. أمنية مُشتهاة يود تحقيقها. علمتنى الأيام أن معظم أحزاننا تكون على أشياء تافهة لا تستحق الحزن أصلا. أشياء تافهة جعلناها كبيرة! أما المصائب الثقيلة الحقيقية، المصائب التى تقصم الظهر فعلا، فتهبط معها رحمة ترافقها. هذا ما يحدث على أرض الواقع، وكثيرا ما تجد المُبتلين بحق هم الذين يحمدون الله ويستبشرون بفضله. بينما تجد أولى النعمة - وأنا أولهم - أقرب إلى السخط والشكوى والتمرد على القدر.

يعطينا الله بكلتا يديه ولا نشعر بالراحة، لأننا مجبولون على التطلّع. وكثيرا ما تستغرقنا الهموم فنعجز أن نرى النعمة. وننظر إلى الدنيا من ثقب إبرة مع أن الدنيا فسيحة. ولا نفطن لحظة انكفائنا فى أحزاننا الخاصة أن المشكلة داخلنا نحن. بمعنى أن العالم الخارجى لم يتغير. لم نفلس، لم نفقد الصحة والأبناء. وبرغم ذلك ما أشد تعاستنا! لأن أمنية مُشتهاة لم تتحقق. ونظن أن الدنيا تغيرت. مع أنها لم تتغير. كل المشكلة فى داخلنا. ولئن نزعنا هذا الهاجس الذى يعذبنا وعالجنا نفوسنا بالرضا سنعثر فى آخر الأمر على سكينة نفوسنا.

هل تذكرون حكاية «هشام طلعت» و«سوزان تميم»؟ إنها ليست مجرد جريمة عادية. إنها مثال للركض الإنسانى خلف شجرة التفاح المحُرمة. الشجرة الوحيدة فى الجنة الممنوعة عليه، ولذلك اتجهت كل شهواته إليها.

هشام طلعت كان ناجحا إلى آخر آفاق النجاح. حباه الله كل شىء، فيما عدا أن هذه المرأة بالذات لا تحبه. لاحظ أنها لو استجابت له لما اهتم بها من الأصل. ولكنها حين استعصت عليه شغلت كل كيانه.

كلنا «هشام طلعت» بشكل ما، كلنا فينا ميراث أبينا آدم الذى زهد كل الطيبات فى الجنة ولم يعد يرى سوى الشجرة المحرمة. «سوزان تميم» كانت بالنسبة له الشجرة التى أخرجته من الجنة.

لم يعد يهمه سوى أن يقطف التفاحة، والتفاحة الحمراء تغويه ولا تذعن له، تستنزفه ولا تحبه، وعندما أغلقت كل الأبواب أمامه قرر تدميرها. قرر أن يجتث الشجرة.

قبل هذه اللحظة لم يكن شىء قد حدث. كان يمكن أن ينفيها عن ذهنه ويعود كل شىء إلى وضعه الأول: رجل الأعمال الناجح الذى اجتباه ربه بالنعم. ولكنه لم يتراجع فى اللحظة المناسبة. لحظتها تغير العالم الخارجى فعلا، وتم الزج به فى السجن.

لكل منا «سوزان تميم» الخاصة به. «سوزان تميم» التى لم يكتبها الله لنا. ليست بالضرورة امرأة! ربما مال! ربما عمل! ربما بيت! ربما مدينة! ربما أمنية! المهم أن الله لم يكتبها لك لحكمة يعلمها. وبدلا من أن تستسلم للأمر الواقع فإنك ما تفتأ تفكر فيها وتشغل خيالك وتعذبك. لكن صدقنى هى مجرد هواجس فى عالمك الداخلى. هى لم تؤثر بعد على عالمك الخارجى. لكن هناك لحظة إن تماديت بعدها ومددت يدك لتقطف التفاحة لن يعود عالمك الخارجى كما كان. وسيستحيل عليك أن تعود القهقرى.

تخلص من «سوزان تميم» الخاصة بك. وارض بما قسم الله لك من نِعَم. واعلم أن الرضا فى حد ذاته نعمة تتوّج النعم. الرضا نعمة منفصلة. فربما يعطيك كل شىء، ولكنه يحجب عنك نعمة الرضا. وقتها لا قيمة لأى شىء. إذ ما فائدة أن تكون غنيا صحيح البدن وتكون فى الوقت نفسه تعيسا؟

aymanguindy@yahoo.com