قناة السويس جزء مهم من تاريخ مصر الحديث، ولعبت القوى الكبرى أثناء حفرها دوراً كبيراً، وكانت فرنسا صاحبة المشروع ولكن إنجلترا والسلطان العثمانى حاولتا عرقلة المشروع. ولما ظهرت بوادر نجاحه دخلت إنجلترا فيه بالضغط على ديليسبس والخديو المصرى. وقد تسببت القناة فى عدة حروب وسقط آلاف الشهداء المصريين.
وفى أول اتفاق بين المهندس الفرنسى ديليسبس صاحب فكرة القناة والخديو سعيد عام 1856 تمت الموافقة على المشروع وإعطاء الأرض لشركة القناة والتعهد بتوفير العمالة المصرية، ولكن الخديو طلب عدم نشر الاتفاق حتى لا يثير غضب القوى الكبرى والشعب المصرى. وقد حاول ديليسبس عام 1860 توفير عمالة من بدو سيناء واستيراد عمالة أجنبية، ولكن الأعداد كانت قليلة جداً ومكلفة. وتم الضغط على الخديو للالتزام بالاتفاق غير المنشور وبالقيام بتوفير العمالة من الفلاحين المصريين. وضغطت إنجلترا والسلطان العثمانى بعدم توفير العمالة. ووفر الخديو 2500 فلاح مصرى يعملون بالسخرة ويتقاضون قرشين فى اليوم. وباستمرار الضغط الفرنسى صدر الأمر بتوفير 10000 فلاح، ثم تصاعد الضغط ليصل إلى 15000 وطلبت شركة القناة استخدام الجيش فى جلب العمالة ونجحوا فى نقل 25000 فلاح للعمل فى حفر القناة وقام 7000 من الفلاحين المصريين الأشداء برفع حوالى 1.2 مليون متر مكعب من الطين والرمل فى حفر قناة من مياه النيل من الزقازيق حتى القناة، ورفع الفلاحون أيضاً 4 ملايين متر مكعب من الرمال وأجزاء منها كانت صخرية وصعبة التكسير فى أثناء حفر القناة نفسها، وهو عمل جسيم بذلت فيه أرواح كثيرة، ودفن بعض العمال أحياء أثناء عملية الحفر.
وبدأت إنجلترا تضغط لمنع السخرة وجلب الفلاحين بالقوة، ولكن ديليسبس رد بخطاب للبرلمان الإنجليزى عن سوء حالة العمال الإنجليز فى المصانع البريطانية. وبعد وفاة سعيد وتولى إسماعيل تم الدفع بأعداد أكبر من الفلاحين، وكانت السخرة قد منعت بقانون فى أرجاء الدولة العثمانية، ولكن الخديو تغاضى عن ذلك فى سبيل إرضاء الفرنسيين. وتحت الضغط الخارجى والداخلى قام الفرنسيون باستخدام الآلات المميكنة فى الحفر ابتداء من نهاية عام 1862 لمساعدة الحفر اليدوى، وطالب إسماعيل برفع أجرة العمال فارتفع من قرشين إلى 9 قروش يومياً.
هؤلاء الفلاحون العظام هم الأبطال الحقيقيون فى حفر القناة، ونحن نبعث لأرواحهم كل التحية والتقدير.
نحن الآن فى احتفالات كبيرة بمناسبة افتتاح مجرى جديد للجزء الشمالى للقناة مع عملية تعميق للقناة لتسمح بمرور سفن أكبر وتقصير مدة العبور للسفن. فى هذه المناسبة يجب أن نذكر بكل إجلال الفلاح المصرى الذى خطف من أرضه عنوة ليعمل بالسخرة عدة سنوات، وأقترح أن تقوم الدولة المصرية ببناء تمثال ضخم يقوم به أحد كبار النحاتين المصريين ليرتفع على مدخل القناة عنواناً على أننا لا ننسى أجدادنا الذين استشهدوا وهم يحفرون القناة.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.