من غير ليه

أسامة غريب الأحد 02-08-2015 21:28

استمعت فى أحد مواقع الأغانى على النت إلى تسجيل نادر للموسيقار محمد عبدالوهاب ومعه عبدالحليم حافظ، رحمهما الله، وكانت بروفة يقوم عبدالوهاب فيها بتحفيظ حليم اللحن الجديد لأغنية «من غير ليه»، التى كتبها الشاعر مرسى جميل عزيز والتى كان يفترض أن نستمع إليها بصوت حليم لولا وفاته.

فى البروفة كان عبدالوهاب يعزف على العود وعبدالحليم يتبعه ويردد وراءه المقاطع المختلفة من أول الأغنية لآخرها. لفت نظرى أمر رأيته جديراً بالتسجيل وهو أن حليم كان يتدخل بالتعديل واقتراح جمل لحنية مغايرة للحن عبدالوهاب الأصلى، وأن عبدالوهاب كان يبدى ممانعة ويحاول إقناع حليم، ثم لا يلبث أن يستسلم ويعزف على العود الجملة، كما اقترحها المطرب الكبير!.. وكان معروفاً عن عبدالحليم حافظ أنه دائم التدخل فى ألحان الملحنين بالتعديل والإضافة حتى يخرج اللحن بالشكل الذى يرضيه. وهناك حكايات مثيرة تروى فى هذا الشأن عن ملحنين طيعين كانوا ينصاعون للنجم العندليب وينفذون طلباته دون ممانعة، وآخرين كانوا يبدون مقاومة ويتمسكون بجملهم اللحنية كما هى، ثم لا يلبثون أن تنهار مقاومتهم ويرضخوا فى النهاية ويقومون بالتعديل، كما أراده عبد الحليم.

طبعاً من المعروف أن القدر لم يمهل حليم لغناء الأغنية وظل اللحن فى أدراج عبدالوهاب من عام 77 حتى أفرج عنه وغناه بصوته عام 88.

من يستمع إلى البروفة التى جمعت الملحن بالمطرب ثم يستمع إلى الغنوة بصوت عبدالوهاب سيدرك أن عبدالوهاب قد تخلص بعد وفاة عبدالحليم من كل الجمل اللحنية التى اقترحها حليم وكان مصراً عليها، وأن اللحن أصبح بعد ذلك وهابياً خالصاً. وسيدرك المتابع أن عبدالوهاب لم يكن مقتنعاً ولا سعيداً بتعديلات حليم، بدليل أنه تخلص منها عندما استطاع، وأنه ما كان يستجيب إلا تحت ضغط سطوة عبدالحليم حافظ وقدرته على تطويع أعتى الملحنين والمؤلفين لإرادته باعتباره نجم النجوم وملك الشباك فى ذلك الوقت.

ربما كانت هذه القصة كاشفة لجبروت النجوم وقدرتهم على فرض إرادتهم على فريق العمل، وهى السُنة التى استمرت حتى الآن وانتقلت إلى نجوم السينما الذين أصبح الواحد منهم يتدخل فى اختيار باقى الممثلين رغم أنف المخرج، صاحب الحق الأصيل فى الاختيار، ويتدخل أيضاً فى الورق المكتوب فيفرض على السيناريست أن يوسع من مساحة دوره على حساب باقى الشخصيات ويرغمه على لىّ عنق الدراما من أجل صاحب السعادة النجم الذى يأتى بالإيرادات التى تملأ خزائن المنتج!.

وغير بعيد عن هذا ما تقوم به بعض النجمات من اشتراط تصويرهن فى الأعمال الفنية من زاوية معينة للوجه وضرورة الابتعاد عن التصوير من الجهة الأخرى التى لا تفضلها.. ويا ويل مدير التصوير إذا حاول أن يقوم بدوره الطبيعى وأخذ اللقطة طبقاً لرؤيته الخاصة.

لم يعد أى مما سبق يدهشنى من نجوم الجيل الحالى الذين يخلو أغلبهم من الموهبة والثقافة بعد أن عرفت أن عبدالوهاب أعظم الملحنين فى كل العصور وأكثرهم شهرة وتأثيراً كان ينحنى للريح ويقمع نغماته إرضاء للنجم عبدالحليم حافظ!.