الصحفي.. المصدر.. واستشعار الحرج

مي عزام الأحد 02-08-2015 08:56

في الفيلم الأمريكى الحائز على الاوسكار «الرجل الطائر» مشهد في غاية الأهمية وخاصة بالنسبة للصحفيين، المشهد يجمع بين بطل الفيلم ريجان تومسون والناقدة المسرحية تابيثا دينكسون وهى ناقدة مسرحية مشهورة في جريدة «التايمز»، كان للأخيرة موقف متشدد ورافض من مسرحية الأول حتى من قبل أن تشاهدها، فريجان تومسون هو أحد نجوم هوليوود، كان ممثل لسلسلة أفلام الرجل الطائر،الذين أفل نجمهم ويريد العودة إلى الأضواء ولكن هذه المرة على أحد مسارح برودواى في مسرحية من اعداده وتمثيله وإخراجه، وهو ما تراه الناقدة النافذة في الأوساط الفنية أنه تعدى صارخ من أحد قرود هوليوود المدعين عديمى الموهبة على قداسة المسرح، ورأيها فيه قالته بوضوح: غير مدرب، غير متمكن، غير مهيأ لتجربة الفن الحقيقي وأنه لا يحق له أن يأتي إلى نيويورك متظاهراً أنه يمكنه التأليف والإخراج والتمثيل ليأخذ مكان عمل فنى راقى، ولقد توعدته بأنها ستكتب عنه نقدا قاتلا، لن يتمكن بعده من العرض مرة أخرى.

هذا المشهد يظهر جزء من العلاقة بين الصحفى والمصدر، هنا الصحفى الفنى يواجه الفنان ويتفوق عليه ويشعر بقيمة كلمته ،بل بالغرور والسيطرة المستمدة من كونه يمثل عين الجمهور الناقدة بكل أمانة ،لايهتم كثيرا بشهرة الفنان أو اغواءه، يترفع عن محاولة استمالته ليكتب ماهو في صالح الفنان الذي سيتسخدمه بعد ذلك في الدعاية لعمله الفنى.

بالطبع ليس الحال هكذا دائما في أمريكا ولافى أي مكان آخر، فهناك دائما هامش من العلاقات والمجاملات، ولكن المسافة ما بين الصحفى ومصدره تبقى واضحة، ولكن في مصر هذه المسافة تعد منطقة ضبابية مشوشة.

الصحفى في مصر حريص على استمرار العلاقة الودودة بمصدره أكثر من علاقته بالقارىء، المصدر وسيلته الوحيدة للحصول على المعلومات، فحرية تداول المعلومات والشفافية لاوجود لها على أرضنا، وفى حال ساءت العلاقات بين الصحفى والمصدر يحرمه الأخير من المعلومات ويتعرض الأول للتقريع والتأنيب من رئيس التحريرلأنه فوت على الجريدة أخبار، ولكى يبقى الصحفى على علاقة طيبة مع المصدر عليه ان لايغضبه، اظهار العيوب ونقد الاداء غالبا في مصر ما يؤدى إلى غضب المصادر الحكومية والغير حكومية، ولاتصدق غير ذلك، وكثيرا ما طبقت وزارات ،بناء على اوامر من الوزراء وكبار المسئولين فيها، مافعله كفارمكة مع سيدنا محمد (صلعم )حين فرضوا عليه وعلى أل بيته وعشيرته المقاطعة حتى يعود لرشده، قليلا ما تدخل الجرائد في مواجهة مع تلك المصادر لحماية محررها مادام ملتزما بحدود المهنية وكثيرا ما تجد انه من الأفضل أن ترسل محررا آخر ليغطى المصدر ويكون عادة أكثر مرونة من الأول، خفيف على المعدة خفيف على القلب.

كان للصحفى الكبير مصطفى أمين مقولة يكررها على تلاميذه في مدرسة اخبار اليوم الصحفية ،يحذرهم من الوقوع في الغواية قائلا: «كانت أخبار اليوم زمان لديها مندوب صحفى في كل وزارة، الآن لدى كل وزارة مندوب عندنا وهذا كارثة للصحفى والصحيفة».

الفرق واضح وعواقب معروفة، الأول كان يعمل لحساب قارىء جريدته ولايهمه إلا الصالح العام، اما الثانى فيعمل لحساب الوزراة، وفى حين أن الأول مصلحته ان يكشف العوار والفساد في الوزارة، فالثانى مصلحته ان يخفيها، ومما زاد الطين بله، ان الصحف القومية سمحت للصحفيين مندوبى الوزرات بجلب الاعلانات منها، وكانت تكافئهم بتخصيص نسب من قيمة الاعلان أعلى من التي يتحصل عليها مندوب الاعلانات بالجريدة، كما تغاضت عن عمل هؤلاء المندوبين كمستشارين للوزراء، مما جعل من بعض هؤلاء الصحفيين أثرياء في غضون سنوات قليلة بطريقة أراها غير مشروعة وتراها إدارات الصحف القومية وبعض الصحف الخاصة والمستقلة مشروعة وشطارة من الصحفى.

محنة الصحافة المصرية التي تعيشها الآن أسبابها كثيرة ،منها عدم وجود مسافة واضحة بين بين المصدر والصحفى، ومن ثم لانجد إلا نادرا انفراد صحفى بأسرار ومعلومات من الوزارة التي يغطيها، فالجميع ينهل من معين واحد وهى تصريحات السادة المسؤولين الرسمية .ما ينطبق على مندوبى الوزارت ينطبق أيضًا على الصحفى بقسم الفن، كيف يمكن لصحفى أن يلتزم بالأمانة المهنية والحرفية وهو يتناول عرض مسلسل لفنانة يقبض منها راتب شهرى كمستشار إعلامى!!!.

كثيرا ما نسمع عن تنحى قاضى عن نظر قضية ما لاستشعاره الحرج لأى سبب ما، فهل نقرأ يوما عن رفض صحفى تغطيه مصدر لأنه يستشعر الحرج؟.

المهنة في خطر.. وعلى الجميع أن يعيد لها وظيفتها الأساسية والتى جعلت منها السلطة الرابعة.

ektebly@hotmail.com