تمت المبادلة في يسر ولم تستغرق أكثر من لحظة واحدة! كانت شمس الأصيل قد بدأت رحلتها نحو الغرب، وهبّ الهواء منعشا ومبشرا بأمسية معتدلة. واحدة من التجمعات التجارية المتناثرة في الساحل الشمالى، والتى تحمل نكهة السفر! محال الفاكهة والمأكولات البحرية والمفروشات الخفيفة التي تُوحى للجميع بأن كل ما ها هنا مؤقت.
كان سائس المكان يرمق الأفق دون أن يفعل أي شىء، عندما هبط الرجل الأنيق من سيارة فارهة في تثاقل. كان يرتدى ثياب المصيف: الشورت وفانلة نصف كم ونظارة سوداء. لكن كل شيء فيه يوحى بالفخامة. ليست السيارة فقط وإن كانت فارهة! ولا ثيابه الأنيقة رغم بساطتها، ولكن قبل أي شيء ملامحه المتعجرفة. ملامح من اعتاد أن يأمر فيُطاع.
راح يتأمله في حسد تأكد عندما نزلت من السيارة امرأة فائقة الجمال. كل شيء فيها يخلب اللبّ: ملامحها الجميلة المتعالية! شعرها الذي يشبه سنابل القمح منثور على كتفيها اللتين لوحتهما الشمس. ثم لمحة من الظهر النحيف المشقوق بلطف، ثم الخصر الدقيق وبعده ينسكب القوام البديع في دسامة محسوبة.
استغرق السائس في التحديق حتى لاحظ أن زوجها يمعن إليه النظر. ارتبك وتشاغل بمسح زجاج سيارته في همة. لكن العجيب أنه لم يبد غاضبا وإنما ساخر بشكل ما، وكأنه يسأله بعينيه: «هل أعجبتك؟».
غض من بصره، لكن الرجل الأنيق سأله في هدوء: «تبادل؟».
................
فيما بعد، عندما فكر السائس في الأمر واستعاده من جوانبه المتعددة، فإن أشد ما استغربه أنه لم يستغرب! وأنه فهم العرض على الوجه الصحيح وليس أي وجه آخر! «تبادل» المقصود بها أن تنتقل روحاهما فيحصل كل منهما على جسد الآخر!
قال الرجل الأنيق وهو يغمز: «ولا تنس المرأة!».
وبرغم فجاجة التعليق فإن السائس رحب بذلك. حسنا أن تُطرح الأمور (على بلاطة).
«وهل يمكن أن تنتقل الأرواح فعلا من جسد إلى جسد؟»، هكذا تساءل السائس وكأنه يخاطب نفسه. أجاب الرجل الأنيق: «أنت تعلم أن ذلك ممكن».
الغريب أنه كان بالفعل يعلم...
«وآخذ هذه السيارة؟»، تساءل السائس حالما وهو يتحسس السيارة الفارهة كأنها بشرة سيدة!
- «وسيارات أجمل في انتظارك». همس الرجل الأنيق في إغراء.
-«ولكنى لا أملك سيارة». قال السائس في شك.
«هذا شأنى فلا تبال». هتف الرجل الأنيق في حزم.
-«ولكن لماذا؟» قاطعه الرجل الأنيق فقال في ضيق: «اعتبرها نزوة رجل غنى يريد أن يخط نجاحا جديدا في حياة جديدة».
وساد صمت قبل أن يقطعه الرجل الأنيق في تبرم: «وبعد؟ هل ستُبادل؟».
.................
وبسرعة تم التبادل. حياة جديدة مترعة بالمتعة تلوح أمامه. والحسناء تعد بمتعة لا نهائية. وانسل بسرعة إلى جسد الرجل الأنيق واجدا صعوبة في التأقلم معه شأن من يرتدى حذاءً جديدا. ونظر إلى جسده القديم الذي احتله الآخر فأقلقه أن عينيه تلمعان في مكر وسعادة.
لكنه نسى كل مخاوفه لحظة أن عادت المرأة الأنيقة. وجد نفسه يقود السيارة بهدوء وثقة. وبطرف عينيه لمح جسده القديم يلقى الفوطة الصفراء في ازدراء ويغادر المكان.
مد يدا جريئة إلى الحسناء فدفعته في جفاء غير مفهوم. بعد قليل استوقفه ضابط بلهجة صارمة: «صدر أمر بالقبض عليك لارتكابك جريمة قتل. لذلك أرجوك أن تتبعنى بهدوء».