متى ينعقد المؤتمر الأول للمثقفين المصريين؟

صلاح عيسي الجمعة 31-07-2015 21:39

فى الحوار التليفزيونى الذى أجرى فى الأسبوع الماضى مع وزير الثقافة د. عبدالواحد النبوى، قال الوزير، فى سياق تعليقاته على الأزمة التى أثارتها قراراته بتغيير بعض رؤساء قطاعات الوزارة، إنه كان ولايزال حريصاً على الحوار بينه وبين المثقفين، وعلى التعرف على آرائهم، وأنه كان قد رتب بالفعل لعقد سلسلة من الاجتماعات مع مجموعات من المثقفين، يضم كل منها فى حدود خمسين منهم، لمناقشة الاستراتيجية الثقافية للوزارة، وكان مقرراً أن ينعقد أول هذه الاجتماعات يوم الثلاثاء الماضى، ثم تقرر تأجيله حتى يتاح لرئيس الوزراء إبراهيم محلب - فى زحمة مسؤولياته - أن يجد فرصة ملائمة لحضوره بنفسه.

ذكّرنى ما قاله الوزير بمشروع قديم لى سبق أن اقترحت فكرته فى عام 2002 أثناء جلسة للحوار، جمعت بين وزير الثقافة آنذاك الفنان فاروق حسنى وخبراء مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام، بمبادرة من المفكر الكبير الراحل محمد السيد سعيد، الذى دعانى للمشاركة فى المناقشة التى كانت تدور حول السياسة الثقافية للوزير.

وحين حل الدور علىَّ فى الحديث، كانت خيوط الحوار قد مهدت للفكرة التى كنت مسكوناً بها منذ سنوات، فاقترحت أن ينعقد بشكل دورى، كل عام أو عامين، مؤتمر للمثقفين المصريين، يجمع بين ممثلين للهيئات الحكومية والشعبية التى تنشط فى المجال الثقافى، ومنها وزارات الثقافة والإعلام والتربية والتعليم والتعليم العالى والأوقاف والشباب، ونقابات الفنانين والكُتاب والصحفيين والناشرين والتشكيليين، فضلاً عن الشخصيات الأدبية والثقافية العامة.... إلخ.

وبسبب الخلط الشائع فى حياتنا العامة بين المصطلحات، ذكرت الجميع بأن المؤتمر بمفهومه العلمى الصحيح يختلف عن الندوة العلمية، وعن المهرجان، ولكنه تجمّع منظم يضم الفرقاء المعنيين بمجال من المجالات، يلتئم لكى يدرس بشكل علمى المشاكل العملية التى تواجه هذا المجال، استناداً إلى دراسات علمية للواقع، يعدها خبراء متخصصون اعتماداً على إحصاءات وأرقام وحقائق هذا الواقع، تناقش كل مجموعة من هذه الدراسات فى إحدى اللجان المتخصصة التى يتوزع بينها أعضاء المؤتمر، ويتخذون بعد المناقشة توصياتهم للتغلب على هذه المشاكل استناداً إلى الإمكانات المتاحة.. على أن تتشكل لجنة تحضيرية للمؤتمر، تعد له وتحدد الجهات التى تشارك فيه، وكيفية تمثيلها، وتضع جدول أعمال دورته الأولى، وتختار الباحثين الذين يعدون الدراسات التى ستعرض عليه، وأن تشكل فى ختام الدورة الأولى منه، التى اقترحت أن يكون عنوانها هو «حدود دور الدولة فى مجال الثقافة»، وطبيعة المشاكل والعقبات التى تعترضه - لجنة للمتابعة، تتولى متابعة تنفيذ توصياته.

وعن النموذج الذى ضربت المثل به على أهمية عقد «مؤتمر المثقفين المصريين» بشكل دورى، وهو المؤتمر الثانى للصحفيين المصريين، الذى عقد باقتراح منى - وكنت آنذاك عضواً بمجلس نقابة الصحفيين - فى بداية عام 1991 فى عهد النقيب مكرم محمد أحمد، وشاركت فى الإعداد له، وفى الإعداد للدورة الثالثة منه التى عقدت فى عهد النقيب إبراهيم نافع عام 1996، والرابعة التى عقدت - بعد ذلك - فى عهد النقيب جلال عارف عام 2004، وقد نجحت هذه المؤتمرات فى صياغة ماسميته «ضمير جمعى مشترك» بين الصحفيين المصريين حول مطالبهم الأساسية، وهى التى صاغت المطالب الأساسية للصحفيين المصريين، ومنها الفصل بين الملكية والإدارة، وبين الإدارة والنقابة، وإلغاء العقوبات السالبة فى جرائم النشر، وصاغت كل الجوانب الإيجابية فى مشروع القانون 96 لسنة 1996، الذى وسع من نطاق حرية إصدار الصحف.. وصحيح أن ذلك تطلب وقتاً ونضالاً طويلاً استمر لسنوات، لكن المهم أنه أسفر عن بلورة المشتركات بين الجماعة الصحفية التى التزم الجميع بالسعى لتحقيقها.

ومع أن الفنان فاروق حسنى تحمس للفكرة أثناء تلك الندوة، وأصدر بالفعل قراراً بتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الأول للمثقفين المصريين، إلا أن التنفيذ أخذ يتعثر، وبدأ البعض يتحدثون عن أن من كانوا يوصفون آنذاك بـ«مثقفى المقاهى» سوف يستغلون جلسات المؤتمر ليحولوه إلى مشتمة له، وهجوم عليه، ونصحوه باستبعاد هؤلاء ليتحول المؤتمر من مؤتمر للمثقفين إلى «مؤتمر للثقافة»، وأن يقتصر على العاملين من المثقفين فى وزارة الثقافة.. فضلاً عن المكائد البيروقراطية وصراعات النفوذ التى تسود كل الأجهزة ذات الطبيعة المكتبية، ليؤدى ذلك إلى إجهاض الفكرة، حتى بعد أن استعاد فاروق حسنى حماسه لها عام 2008 تقريباً. تلك فكرة، أتمنى أن يأمر د. عبدالواحد النبوى بالبحث عن وثائقها بين ملفات المجلس الأعلى للثقافة، لعله يجد فى تنفيذها الوعاء الذى يتوصل من خلاله إلى وضع استراتيجية ثقافية تليق بمرحلة يواجه فيها معركة شرسة ضد الإرهاب، ولعل ذلك يوحى له بأن تكون أول دورة من دورات مؤتمر المثقفين بعنوان «الحرب على ثقافة الإرهاب»!

فهل يفعل؟!