يتعامل الإعلام مع التحرش منذ سنوات طويلة بوصفه «الظاهرة»، كذلك نتعامل مع كافة الأمور حتى تتوطن، حتى تصبح رقماً دولياً مخيفاً نحتل بها مراكز متقدمة كالتى نحتلها فى عدد المرضى بفيروس سى، أو البلهارسيا سابقا. يضيف المسؤولون من ناحية والقائمون على الإعلام من ناحية أخرى كلمة الظاهرة كلما وصفوا التحرش للتخفيف من وطأة المشكلة أو لإظهارها دخيلة على المجتمع المصرى، وهم يعلمون جيدا أن الثقافة المجتمعية تغيرت منذ عقود، يمكن أن تستدل عليها بمجرد نظرة عابرة على التجمعات: فى المترو، أمام السينما، فى الميكروباص، وحتى التجمعات التى بدأت جيدة وحضارية واختفت مع الوقت مثل مهرجان الكوربة.
الدولة التى تحتل مركزا دوليا متقدما فى التحرش، لدرجة تواجدها فى عدد من الأفلام الأجنبية القليلة الضئيلة التى تم تصويرها فى مصر مثل «cairo time»- تظهر فيها تلك الأفعال بوضوح فى عدة مشاهد، الملاحقة والتحديق الذى يخيف الغريب ويجعل السائح كارهاً لحياته، أو فى أفلام مصرية تناولت المشكلة وتم عرضها دوليا مثل «678»، والتى تتحول فيها حياة السيدات المصريات إلى جحيم يومى، يمكنك أن تراه فى الشهادات المختلفة التى تحاول بعض الفتيات توثيقها عبر مواقع التواصل الاجتماعى كنوع من الانتقام المجتمعى والتنفيس فى ظل دولة لا تحرك ساكنا مع ما تسميه «ظاهرة».
الظاهرة الحقيقية فى رأيى بدأت هذا العام، شرطيات تابعات لوزارة الداخلية يحاولن التعامل بحزم يصل أحيانا إلى درجة العنف مع المتحرشين فى موسمهم الأبرز وهو العيد، فيديوهات كثيرة وصور للمتحرشين كنوع من توصيل رسالة الردع لمن تسول نفسه أن يفعلها، ونوع من العقاب المجتمعى فى ظل تراخى القانون عن محاسبة المتحرشين، ثم ينتهى العيد والكل سعيد، الداخلية أثبتت أنها ضبطت الأمن فى العيد وواجهت التحرش، حتى وإن ظهرت فيديوهات أو شهادات للتحرش ستلتمس، كمواطن، العذر للجهاز الأمنى اللى مش هيقطع نفسه، وسيمر العيد وتلك الصور تحتل الصفحات الأولى للصحف باعتبارها الحدث الأبرز، وسينتهى العيد دون أن تنتهى مشكلة التحرش اليومية التى تواجهها الدولة والتى لا تضع لها خطة أمنية فورية لمواجهتها، ولا تسعى الدولة لتغيير القانون الخاص بها مثلما تسارع بتغيير قوانين لحبس الصحفيين وإقالة الجهات الرقابية، لتبقى المشكلة متوطنة مستقرة قبل أن تخرج علينا نفس الشرطيات فى العيد القادم لإكمال ظاهرة مواجهة المتحرشين وليس لاجتثاث المشكلة من جذورها.