من الممكن أن نحتمل إلى حين وزيراً بدرجة موظف فى أى وزارة إلا وزارة الثقافة ولو لدقائق معدودة، فهى مازالت آخر حائط صد تمتلكه الدولة فى حربها ضد الإرهاب، من الممكن أن نقبل وزير الداخلية الذى يواجه الإرهاب كتنظيم موظفاً، لكننا لا نقبل وزير الثقافة الذى يواجه الإرهاب كفكر مجرد باشكاتب أو أرشيفجى أو مدرس إلزامى أو سيدنا فى كتاب القرية. القضية مع وزير الثقافة د. عبدالواحد ليست فى إقصاء مرؤوس أو إلغاء ندب موظف، ولكنها أكبر من ذلك بكثير، المشكلة ليست فى هل معه كارنيه جماعة الإخوان أم لا، ولكنها تتجاوز ذلك بكثير، الأزمة ليست فى عمله فى قطر، ولكنها أشمل وأعم من تلك الجزئية التافهة بكثير، القضية والمشكلة والأزمة أننى لا أصدق ولا أستوعب أن دولة مثل مصر بهذا الحجم والثقل والتأثير الثقافى يكون وزير ثقافتها هذا الذى رأيته وسمعته فى برنامج الإعلامى أحمد موسى!!،
ومع كل احترامى لشخص وشهادات الدكتور عبدالواحد النبوى مازلت لا أصدق أن من شاهدته وسمعته على الشاشة هو من يمتلك هذا القاموس اللغوى الردىء الركيك، وهذا الأداء المرتبك المهتز، والرؤية الغائبة التى تتعامل مع الثقافة بمنطق مقاولى الأنفار وعمال التراحيل، والتعامل مع فكر التكفير بأسلوب من يجمعون دود ولطع القطن بإشارة من عصا خولى العزبة!، لماذا فعلت بنا هذه الفعلة يا مهندس محلب؟، ومن أشار عليك بهذا الاختيار؟، لا يمكن أن أتصور أن مستشار الأزهر القانونى يمتلك كل هذه السطوة عليك بحيث يقرر اختيارك الوزارى للثقافة بهذه الخيوط الماريونيتيه!!، مع احترامى للأزهر وخريجيه إلا أن وزير الثقافة لا يمكن أن يأتى ويتعامل مع الثقافة بخلفية أزهرية، ليس لأن الثقافة والعياذ بالله كفر وإلحاد، ولكن لأن الفن والثقافة والإبداع تخاصم الحرفية التلقينية النقلية العنعنية التى شعارها ليس فى الإمكان أبدع مما كان، لأن الفن يقول ويتمرد ويتحدى ويعلن أنه دائماً فى الإمكان أبدع مما كان، وأن نقطة انطلاق الفنان هى التحليق خارج السرب والقفز من فوق الأسوار والخروج عن المألوف والعادى والبديهى، وإذا كان مقياس الأزهرى هو مدى التطابق مع القديم، فإن مقياس ومعيار نجاح الفنان هو مدى التباعد والتنافر مع القديم المستهلك، هذه نقطة نظام فى البداية قبل تحليل حوار وزير الثقافة المحترم مع أحمد موسى، وإليكم تلك الملاحظات التى تسمح بها المساحة:
أنا الوزير!! ظل يكررها سيادة الدكتور عبدالواحد حتى ظننته أحمد السقا صارخاً: أنا الحكومة!!، كلما سأله أحمد موسى عن إقالة فلان أو إلغاء ندب علان يعلنها وبكل إباء وشمم وكأنه غير مصدق أنا الوزير، وكأن القضية أقدمية وتستيف ورق وفرمانات عثمانلية، وكان لزاماً على مخرج البرنامج أن يعمل صدى إكو فتتردد فى جنبات الاستوديو مجلجلة «أنا الوزيررررررر.. زير..... زيررررر»! حتى نعيش أجواء أنا حسن الهلالى بصوت أنور وجدى، أو أنا ستين عتريس فى بعض بصوت وأداء أحمد توفيق، الذى أعتقد أن الوزير لا يعرفه مثلما كان لا يعرف من هو بهاء طاهر!!.
شوف انتماءاتهم وإنت تعرف يا أستاذ أحمد هما بيهاجمونى ليه!!!، أسلوب لا يستخدمه رجل بحجم وقامة ومنصب وزير ثقافة، ولكن يستخدمه مخبر للأسف من بتوع العصاية تحت الإبط والجرنان المخروم على قهوة النشاط!!، وأنا أربأ وأتسامى بالوزير عن أن يستخدم مثل هذه البلاغات على الهواء، والتى رفضها أحمد موسى قائلاً كلهم وطنيون، هو بالطبع يا أستاذ أحمد كان يقصد أنهم يساريون وهذا غير صحيح مبدئياً، ولن أسأل الوزير يعنى إيه يسار حتى لا أحرجه، وأريد أن أهمس فى أذن الوزير همسة حائرة وأنصحه نصيحة عابرة، يا سيادة الوزير لم يعد ينفع بعد ثورتين أن أستخدم أسلوب بص العصفورة واحذروا تنظيم حدتو الشيوعى الأحمر وخلية التفاحة... إلى آخر هذه الاتهامات التى باتت تنتمى إلى متحف التاريخ ومومياوات عصر النبوى إسماعيل رع.
أما ما صدمنى وجعلنى ألطم صارخاً أمام الشاشة فهو المقارنة التى عقدها سيادة الوزير الحالى المبجل المحترم بينه وبين د. ثروت عكاشة!!، يانهار إسود هل سيادتك تريد أن تقنعنا عندما قلت رداً على سؤال فين تاريخك فى العمل الثقافى، وأين المثقفون الحقيقيون من منصب الوزير؟ فأجبت ما كان فيه ثروت عكاشة وزيراً فى وجود توفيق الحكيم ونجيب محفوظ؟!!، يا دكتور عبدالواحد عيب أن تفكر مجرد تفكير فى المقارنة، فالحكيم ومحفوظ ويحيى حقى والشرقاوى وأمين العالم وكل من تعاون مع ثروت عكاشة كان يعرف تاريخ هذا الرجل وعمقه ووزنه الثقافى وموسوعيته، وعملوا تحت رئاسته بكل تعاون وود وسعادة وتقدير لقيمته وقامته، فهو قبل الوزارة ترجم جبران ترجمة ترقى إلى جودة وروعة الأصل، كان قد استوعب الفن التشكيلى العالمى كله، وتبحر فى فن الموسيقى كله والباليه والمسرح، وساعدته علاقاته ورحلاته على مد الجسور مع منظمات وهيئات العالم الثقافية، بحيث كان اسمه جواز مرور معتمداً دولياً لإنقاذ معابد أبوسمبل وفيلة وإنشاء أكاديمية الفنون التى خرجت كل هذه الأجيال التى صاغت وجداننا وعقلنا منذ الستينيات حتى الآن، هذا هو ثروت عكاشة لو كنت حضرتك لا تعرفه ولم تطلع على تاريخه، أتساءل: كيف واتتك الجرأة أن تقارن نفسك مع هذا العملاق وتجلس على كرسيه مقتنعاً بأنك تساويه بمثل هذه القناعة العجيبة؟!! لكننا للأسف فى زمن يختار فيه رؤساء الوزارات فريقهم بطريقة فين السنيورة فى لعبة الثلاث ورقات.