كنت الوحيد فى مصر الذى أعجبه تمثال نفرتيتى الذى وُضع الشهر الماضى فى مدخل مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، التمثال حمل جمالاً من منظور كاريكاتورى، كما أنه احتوى على ملامح ذكورية جعلته أقرب الشبه بصديقى «خالد داوود»، الذى أحبه وأقدره، مما قرب التمثال إلى قلبى أكثر.
أحالتنى هوجة التمثال إلى مسلسل «حارة اليهود»، وكم الهجوم على التفاصيل الذى تعرض له. البعض تعامل مع المسلسل وكأنه فيلم وثائقى أو تسجيلى، وليس عملاً درامياً. وما لاحظته أن معظم الانتقادات لهذا العمل الفنى جاءت من مقاربات غير فنية، وهذا ليس دقيقاً.
إذا أطلقنا العنان للتقييم غير الفنى للأعمال الفنية فسوف نُجن، وربما سنتوقف عن متابعة الفنون كلها. فحين يغنى عبدالمطلب «ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين، وعلشان أنول كل الرضا يوماتى أروح له مرتين». فهو بالتأكيد «بيهرج»، فهو يحتاج إلى حوالى الساعة للذهاب مرة واحدة من السيدة إلى الحسين، فضلاً عن أنه سيعود لبيته ليذهب مرة ثانية تبعاً للأغنية، وهذا سيجعل منه عاطلاً بلا عمل، مما سيبعد عنه حبيبه مع الوقت فيضيع مستقبله العاطفى.
كذلك الحال عندما غنت أم كلثوم من ألحان رياض السنباطى، وكلمات أحمد رامى (عربها عن الفارسى عمر الخيام) قائلة: «ما أطال النوم عمراً وما قصر فى الأعمار طول السهر»، فهذا خطأ طبى فج، لأن طول السهر وقلة النوم يسببان مشكلات صحية جمة تؤثر على العمر بكل تأكيد. وهذا الخطأ العلمى بسيط أمام أخطاء بشعة من عينة أن يظهر لك بطل الفيلم بشخصيتين متناقضتين لكل منهما حياتها الخاصة، ويكون تفسير ذلك فى النهاية أنه مصاب بالفصام (الشيزوفرينيا)، وهذا عبث علمى لأن مثل هذا الحالات أندر من وجود «الدجاجة الزرقاء». فضلاً عن حالات ضرب البطل على رأسه فى أول الفيلم مما يفقده ذاكرته، ثم ضربه مرة أخرى عليها فى آخره فتعود له ذاكرته الغائبة، طبعاً هذا قد يحدث مع «صواميل المخ» بالمعنى الحرفى، أما العقل البشرى فلا صواميل له أو مسامير.
فى الشعر يقول «يزيد بن معاوية»: «يقولون عنكِ سوداء حبشية، ولولا سواد المسك ما انباع غالياً»، والبيت جميل لكن به خطأ «تجارى» فاضح، فالمسك لا يُباع غالياً لأنه أسود اللون بل لأن رائحته زكية، وكان أولى بيزيد أن يستبدل الكحل بالمسك. (بالمناسبة هذه القصيدة نفسها بمعايير أخلاقية قد توصف بالفجور).
لا تضيعوا أعماركم بتقييم الفن بالتاريخ، والعلم بالدين، والسياسة بالأخلاق، وأى شىء بمعايير لا تخصه.. لا تخلطوا الأوراق لأن هذا لا يحدث إلا على طاولات القمار.