أدرت مؤشر التليفزيون لأجد قناة العاصمة التى أضيفت لقائمة القنوات أخيرا، وأجد مقدمة برنامج لا أعرفها ولم أرها من قبل، لكنها رغم أنها جديدة إلا أنها والحمد لله على الدرب تسير، فهى تصرخ وتهلل كالعادة أو كالموضة، ولا أستطيع أن أتذكر حتى عن ماذا كانت تتحدث أو ماذا كانت تقول، المهم أنها تندد وهى تصرخ بأحد مظاهر المؤامرة التى تحيط بنا وتستهدفنا، نعم نحن نواجه إرهابا، هذا ما لاشك فيه، لكن ليس معنى هذا أن تستعبدنا نظرية المؤامرة إلى حد أن كل تصرف بسيط يصبح دليلا على الخيانة والعمالة والتآمر، حتى باتت مثل هذه البرامج عندما تشاهدها كأنها درس فى كلية الطب لطلبة أقسام الدراسات العصبية حول الذهان والبارانويا، والمشكلة هنا ليست فى هؤلاء الذين يطلون علينا ومعهم ضيوفهم، المشكلة الحقيقية أن هناك من البسطاء من يصدقهم، أما غير البسطاء ممن يدركون أن الأمر فى النهاية ليس مرضا كما أنه من ناحية أخرى ليس إفراطا فى الوطنية كما يدّعون لكنه تسديد فواتير مصالح أو تنفيذ أجندات أجهزة تتصور أن السيطرة على هذا الشعب لا تأتى سوى عن طريقين إما القمع أو التخويف والتهديد مما يتربص بنا ليحولنا إلى عراق أو سوريا، ولذلك فيجب أن ننقض على كل من يهددنا حتى لو كان شخصا يختلف معنا فى الرأى ويقول وجهة نظر أخرى خارج السياق «سياقهم هم».. هنا نجد سياسة «بسك عليه» السائدة الآن فى فاشية ومكارثية لم نشهدها من قبل، فحتى سياسة ورا الشمس التى كانت موجودة أيام عبدالناصر وكانت تستهدف المعارضين كانت تتم سرا، أما الآن فهؤلاء الذين يطلون علينا من عدة قنوات يستبيحون كل القواعد ويخترقون كل القوانين ويتحدثون جهرا وجهارا عن أنهم سيعزلون هذا من منصبه ويخلعون هذا من موقعه، وكأنما هم من يحكمون ويتحكمون، وكأنما هذه دولة بلا دستور أو قوانين أو مؤسسات لها اختصاصات محددة، وأن الأمور كلها فى يدهم هم وحدهم يفعلون ما يشاء لهم أن يفعلوه.
أسوأ ما فى الأمور فى نظرى هو ما يجرى الآن بمناسبة قرب افتتاح قناة السويس الجديدة، حيث تنتهج بعض هذه القنوات سياسة إعلامية قائمة على فلسفة «كايده العزال أنا من يومى» وحتى الفرحة احتكروها وتصوروا أنهم يمكن أن يصدّروها لمن يريدون ويمنعوها عمن يريدون، فالفرحة فرحتهم والفرح فرحهم، وهم من يعزمون على الفرح ويتجاهلون من يتجاهلون، ولم يكن ينقص وصلات الفرح المصطنعة التى أدراها البعض على هذه الشاشات سوى أن تقطعها وصلة زغاريد وأغنية عايدة الشاعر لتكتمل الفقرة المقدمة لنا للأسف.. حقيقة شىء أقل ما يقال عنه إنه بائس ومتردٍ إلى حد لم يسقط فيه أى إعلام من قبل، وهنا يجب أن يطرح سؤال جوهرى وملحّ ونحن نعد لتشريعات تضبط أداء هذه المهنة.. على من سيقع سيف الضبط والمحاسبة؟ على مثل هذا الأداء الإعلامى المتردى للقاع أم على من يقول كلمة لا تأتى على الهوى فيخرج عليه هؤلاء بالذات بسيف الإدانة والعمالة والخيانة على طريقة «يعدم بالكرسى الكهربائى».. بطريقة أخرى هل نحن فى حاجة لتشريعات لحماية المهنة من هؤلاء أم لحماية هؤلاء من المحاسبة عما يقترفون فى حق المهنة؟ فى العالم كله تسن التشريعات الإعلامية لحماية أهل المهنة من التعدى على حقوقهم التى تمنح لهم لكى يؤدوا دورهم على ألا يأتى هذا على حساب المهنة نفسها ولا على حساب الآخرين، مثل هذه التشريعات تحتاج ميزانا دقيقا كما تحتاج إلى هدف واضح وفلسفة واضحة تحكمها، أخشى ألا تتوفر لنا فى مثل هذا المناخ السائد الآن.