د. محمد المخزنجي يكتب: تكاد لا تُسمَع

كتب: محمد المخزنجي الخميس 30-07-2015 11:29

كنا نضطر إلى حقنها قُبيل الغروب يومياً بخليط من اللومينال المنوِّم والنيورازين المهدئ لتخلد إلى النوم حتى الصباح. من قبل كانت تتشبث بقضبان إحدى نوافذ العنبر المطل على الفناء الخارجى المحاط بأشجار الكافور العتيقة داخل السور، وترفض ترك مكانها لمنع «القتلة» من الظهور وقيامهم بقتل «الأولاد» النائمين فى أسرتهم. ولما كنا نحاول صرفها عن النافذة لتناول وجبة العشاء وأخذ جرعة الدواء المسائية تأهُباً للنوم، كانت لا تكتفى بالمقاومة العنيفة فقط، بل تشتمنا وتتهمنا بأننا متواطئون مع «عصابة» قتلة «الأولاد» فى عمق الليل.

فى الساعة الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل وقد نجحنا فى تنويمها بعد جهد لا يخلو من عنف خفيف، لاحظنا اقتراب أصوات هامسة وخشخشة أقدام تدوس فى ركام أوراق الكافور المتساقطة خارج السور تحت هامات الأشجار الكبيرة. ومن زوايا نافذة مراقبتنا رأينا أشباحاً تصعد السور وتتمركز فوقه، ثم انبثقت فى الظُّلمة العميقة أضواء كشافات صغيرة مُركَّزة تُفتِّش بين الأغصان، ورأينا «الأولاد» النائمين فى تزاحم وتجاور على أغصان الكافور الطرفية اللينة، بالكاد تحملهم وتميل بثقل تجمعهم عليها، ثم سمعنا بوضوح فى الصمت السابغ صوت «تكات» طلقات بنادق «الخُردق»، وكانت العصافير النائمة تُقنَص دون أن تستيقظ، وتهوى على ركام هشيم ورق الكافور اليابس، فى ارتطامات صغيرة بكماء، رغم الصمت المُهيمن فى عمق الليل، تكاد لا تُسمع.