يحدث فى مصر: إنجاز هناك وتسويف هنا

مي عزام الأربعاء 29-07-2015 21:31

يوم الأحد الماضى كنت فى الإسماعيلية بصحبة مجموعة من الزملاء فى «المصرى اليوم»: ماهر حسن، معتز عمر، محمد رضوان وأحمد شاكر. بعد انتهاء المأمورية المكلفين بها، ذهبنا إلى موقع العمل بالقناة الجديدة، رأيت إنجازا ضخما بكل المقاييس، وليس من رأى كمن سمع، الكل يعمل بحماس ويسابق الزمن، المكان مكتظ بالعمال والمعدات، ورغم ذلك تشعر بأن هناك من يراقب ويحفظ الأمن، فرقة خاصة من الجيش، أفرادها ملثمون يتجولون فى المكان، فى طريقنا إلى منصة الاحتفال وجدنا كمينا للجيش، أمرنا قائده الملازم «أحمد»، بحزم وأدب، بالعودة فهذه المنطقة ممنوعة علينا، أطعنا الأوامر بأريحية وعدنا من حيث أتينا.

وصلنا إلى أقرب مكان مسموح بتواجدنا فيه، نظرت للمنصة وتساءلت: هل يمكن أن تنتهى فى أيام معدودات؟ وأجابنى تامر (سائق شاب يتبع إحدى الشركات العاملة بالمشروع): المصريون دول معجزة. أشار إلى مسجد حديث البناء على الصفة الشرقية للتفريعة الجديدة: «المسجد ده، كان بالطوب الأحمر قبل العيد بتلات أيام، اتشطب واتجهز وصلينا فيه العيد كمان».

فى طريقنا إلى المعدية، ركبنا مع عمال فى الصندوق الخلفى لسيارة نصف نقل، السير فى الشمس الحارقة لمسافة كيلو ونصف مأساة، تحدثنا معهم، جاءوا من الإسماعيلية والمحافظات الأخرى، شاهدت لأول مر منذ ثورة يناير ابتسامة الرضا ونظرة التفاؤل فى عيون المصريين، العمال البسطاء يشعرون أنهم شركاء فى الإنجاز المبهر، أجورهم مجزية، العامل يتراوح أجره من ثلاثة إلى ستة الآف جنيه على حد روايتهم، قال لى أحدهم: «أنا كنت بشتغل يوم واقعد عشرة، إيجار الشقة كان بيتكسر عليا بالشهرين والتلاتة، دلوقتى الأمور اتغيرت، أول مرة أجيب للعيال وأمهم هدوم جديدة فى العيد». لا يريدون للمشروع أن ينتهى ويأملون فى أن يتبعه تنمية للمنطقة حتى يستمروا فى العمل ولا يعودوا للبطالة والفراغ.. هناك لا تشغلهم السياسة ولا الإرهاب، فقط العمل والإنتاج.

وأنا عائدة إلى القاهرة، تأملت أوضاعنا، فى نفس اللحظة التى يتم فيها هذا المشروع الضخم فى زمن قياسى، نقف عاجزين عن إيجاد حلول حاسمة لحوادث النقل النهرى، الإهمال والفساد وراء مقتل العشرات كل عيد، بعدها يتم تشكيل لجان لمعرفة الأسباب والملابسات ومحاسبة المسؤول ثم التوصية بكيفية تفاديه فى المستقبل، لكن ما بين العيد والعيد تنسى الحكومة وعودها ودورها، وترجع ريما لعادتها القديمة.

ما يحدث على شط القناة مدعاة فخر وتفاؤل لكل مصرى، فى المقابل ما يحدث فى ربوع مصرالأخرى يصيبنا باليأس، بلدنا المحروسة هى الأعلى فى العالم فى نسبة وفيات حوادث الطرق، وتحتل مرتبة متقدمة فى الفساد والترهل الحكومى والبطالة وانخفاض معدلات الأداء وانعدام الشفافية.. «يوم الحكومة بسنة» مثل يظهر معاناة المواطن الذى يسوقه حظة العاثر للتعامل مع الأجهزة الحكومية، فجميعنا فى نظر الحكومة متهمون حتى تثبت براءتنا.

لنتدبر الأمر، ما يحدث فى الإسماعيلية دليل على عيب فى الحكومات التى تدير البلد ونظام الحكم، فهذا الشعب الذى وصفه «تامر» بالمعجزة هو نفسه الشعب الذى يجلس على المكاتب ويرفض أن ينهى مصالح المواطنين دون رشوة أو محسوبية، هو نفسه الذى يغش فى مواد البناء لتسقط العمارات على رؤوس ساكنيها، هو نفسه الذى يرفع السلاح فى وجه أشقاء الوطن، وهو نفسه الذى يحتقر المرأة ويتحرش بها فى الشارع، وهو نفسه الذى يفتى من على المنبر بأن اليهود والنصارى من الضالين، وهو نفسه الذى يخون من يخالفه فى الرأى، وهو نفسه الذى يجد فى خرق القوانين جدعنة، وهو نفسه الذى يجعل من محمد رمضان بطل الموسم.

فى مصر أم العجايب، لا يمكن أن تتنبأ بسلوك المصريين وردود أفعالهم، ليس لأننا عباقرة كما ندعى ولكن لأن النظم المتعاقبة على الحكم لم تحاول أن تصنع منظومة واضحة من القيم تحكم سلوكنا وتصرفاتنا يحترمها الجميع، الوزير قبل الفقير.

والنتيجة مرة تجدنا نعيشها بالقطعة، مرة شعب عبقرى جبار يصنع المستحيل، ومرات تجدنا شعبا عنصريا، وكثيرا ما تجدنا شعبا مهملا وكسولا ومتواكلا، ودائما تجدنا واثقين من أن مصرهى أم الدنيا.. وأنها ستكون أد الدنيا ونحن فى أماكننا أمام التليفزيون نشاهد أحمد موسى على صدى البلد.

ektebly@hotmail.com