استخدمت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية علاقة سرية مع مؤسس شركة تشفير سويسرية لمساعدتها على التجسس على العديد من الدول ومن بينها مصر خلال عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أثناء حقبة الحرب الباردة، بحسب وثائق نشرت حديثا وحللتها هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
وقالت «بي بي سي»، في تقرير نشرته، الأربعاء، على موقعها باللغة العربية، إن الأجهزة البريطانية لفك الشفرات نجحت في التغلب على آلة «إنجما» الألمانية ذائعة الصيت، وهي جهاز صمم خصيصا لتوفير اتصالات آمنة، وتزايد زاد الطلب على آلات «إنجما» بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
وأطلق على هذه الشركة، التي أسسها رجل يدعى بوريس هاجلين، اسم «إيه جي للتشفير». وباعت «إيه جي للتشفير» آلاتها في جميع أنحاء العالم، لتوفير اتصالات آمنة إلا أن هاجلين توصل لاتفاق سري مع الأب المؤسس لفك الشفرات الأمريكية، وليام فريدمان.
ووفقا للاتفاق، كان هاجلين يبلغ وكالة الأمن القومي الأمريكية ومقر الاتصالات الحكومية في المملكة المتحدة بالمواصفات الفنية للأجهزة المختلفة والدول التي تشتري أي من هذه الأجهزة.
ويكمن المفتاح الرئيسي لفك آلات التشفير الميكانيكية، مثل «إنجما» أو الأجهزة التي ينتجها هاجلين بالسماح لآلات فك التشفير الذكية بالبحث عن نقاط الضعف واستخدام مزيج من الرياضيات لفك الشفرات.
وفي إحدى الوثائق، يلمح هاجلين لفريدمان بأنه سيكون قادرا «على تزويد عملاء معينين» بآلة محددة تكون، كما يقول فريدمان، «أسهل في فك التشفير من الموديلات الجديدة»، بما يعني أن تلك الآلاف كان بها خلل سري من شأنه أن يمد وكالة الأمن القومي الأمريكية بالمعلومات الأساسية.
كان الاتفاق بين الجانبين يقضي بعدم بيع آلات مثل (CX-52)، وهي نسخة أكثر تقدما من (C-52)، إلى بعض البلدان، وقال ريتشارد ألدريتش، أستاذ بجامعة وارويك: إن «السبب في أن CX-52 مرعبة للغاية هو أنه يمكن تعديلها، لذلك فالأمر يشبه بهزيمة إنجما، ومن ثم الانتقال إلى بلد آخر، ثم هزيمة إنجما مرة أخرى».
وفي 1995، وجد الصحفي البريطاني سكوت شين دلائل على وجود اتصالات بين الشركة ووكالة الأمن القومي في سبعينيات القرن الماضي، لكن الشركة قالت إن المزاعم حول وجود صفقة «محض افتراء»، ودفنت وكالة الأمن القومي الأمريكية تلك التقارير في قبو ولكنها أفرجت عنها في، إبريل الماضي، وعمدت الوكالة إلى محو بعض تفاصيل التقرير السري بين هاجلين وفريدمان خلال الحرب البادرة، لكن كان يوجد إصداران آخران للاتفاق يوضحان أن فريدمان، الذي وصف بأنه مساعد خاص لمدير وكالة الأمن القومي، كان يسير وفق اقتراح متفق عليه من قبل الولايات المتحدة، والمخابرات البريطانية.
وقالت «بي بي سي» إن بعض الدول، مثل مصر والهند، لم يتم اطلاعها على النماذج الأكثر تقدما، ولذا اشترت نماذج كان من السهل على الولايات المتحدة وبريطانيا فك شفراتها. وفي بعض الحالات، اتضح أن عملاء تعرضوا للخديعة.
وتشير مذكرة إلى أن شركة «إيه جي للتشفير» كانت تمد عملاء بآلات تشفير ذات نقاط قوة مختلفة بناء على طلب من حلف شمال الأطلنطي «ناتو»، وقال المؤرخ ستيفن بوديانسكي لـ«بي بي سي»: لقد «كان هناك درجة معينة من الخداع تمارس على العملاء الذين كانوا يشترون أجهزة وكانوا يعتقدون أنهم يحصلون على نفس الشيء الذي يبيعه هاجلين في كل مكان، في حين أنهم كانوا يحصلون في واقع الأمر على نسخة أضعف».
وقالت «بي بي سي» بحسب الوثائق التي حللتها: «شملت قائمة عملاء هاجلين مصر والعراق والسعودية وسوريا وباكستان والهند والأردن وغيرها في العالم النامي»، وفي صيف 1958، أطاح ضباط جيش كانوا على ما يبدو متعاطفين مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بالنظام في العراق.
يقول المؤرخ ديفيد إيستر، من كلية كينجز في لندن، إن معلومات استخباراتية من أجهزة اتصالات مصرية تم فك شفرتها ساعدت بريطانيا على نشر قوات بسرعة في الأردن المجاورة لإحباط انقلاب محتمل ضد نظام حليف لبريطانيا.
واتضح أيضا أن اتفاق 1955 كان يقضي بأن تكتب وكالة الأمن القومي الأمريكية بنفسها التعليمات بـ «كتيبات» CX-52 لضمان «الاستخدام السليم».
ورفض جيوليانو أوث، الرئيس التنفيذي لشركة «إيه جي للتشفير»، التعليق على الصداقة بين فريدمان وهاجلين، وقال إن الشركة الآن «تتمتع بسمعة ممتازة مع جميع عملائها» وقال متحدث باسم مقر الاتصالات الحكومية في المملكة المتحدة «ينبغي قراءة الوثائق على خلفية أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وحلفاءها كانوا يواجهون احتمال نشوب أعمال عدائية مفتوحة مع معسكر الاتحاد السوفيتي».
ورفضت وكالة الأمن القومي الأمريكية بدورها التعليق على مثل هذه الاستنتاجات، بينما قال ديفيد شيرمان، المدير المساعد للشؤون السياسية والسجلات بالوكالة، «لن يكون الأمر غريبا أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشعران بالقلق الشديد بشأن أمن الاتصالات في شرق أوروبا وتسعيان لمعرفة ما هي الأنظمة التي قد يستخدمانها حتى لا تكون الاتصالات الحساسة لحلف الناتو عرضة للاختراق من قبل الاتحاد السوفيتي».